لوحات لرامبرانت وفان غوغ وبيكاسو، وغيرهم من كبار الفنانين العالميين شاركت أخيراً في قاعة «مشربية» في وسط القاهرة. لكنها ليست الأعمال الأصلية ولا مستنسخة عنها، بل أبدعها الفنان المصري جورج البهجوري في تناص تشكيلي - إذا جاز التعبير - مع أعمال هؤلاء الفنانين الكبار. عرضت الأعمال تحت عنوان «رسم على رسم»، ما يفسر طبيعة العرض الذي يقدمه البهجوري للمرة الثانية في القاعة ذاتها، إذ سبق وأن عرض الفكرة نفسها عام 2007. وهو يستوحي اللوحات ذاتها التي رسمها فنانون ليرسمها مجدداً بالعناصر والمفردات ودرجات اللون ذاتها. الفارق الوحيد أنه يرسمها بطريقته هو، سامحاً لنفسه بالحذف والإضافة، والمبالغة في المفردات والعناصر التي تحملها اللوحات. ففي لوحة بائعة اللبن ل «فيرمير»، على سبيل المثال، أثار انتباه البهجوري مشهد الآنية الفخارية، لذا أزاح بقية العناصر الأخرى المجاورة مسلطاً الضوء فقط على تلك المرأة التي تصب اللبن من إناء في آخر في هدوء ووداعة، وفي لوحة لبابلو بيكاسو نراه وقد اقترب بمساحة المشهد إلى أقصى حد ممكن، مقرباً ملامح ذلك البورتريه الشخصي الذي رسمه بيكاسو لنفسه، وفعل الشيء ذاته تقريباً مع لوحة فان غوغ مع التركيز أكثر على تعبير العيون المحدقة بقوة والأنف الحاد الذي يميزه، لكنه في لوحة رامبرانت فعل شيئاً مغايراً، إذ استبدل ملامح الفنان بملامحه الشخصية، أما في لوحة سيزان «لاعبي الورق» فكان أكثر ما شد انتباه البهجوري هو أوراق اللعب وقماش المنضدة الأحمر الذي يتصدر معظم المساحة المرسومة. ولا يخفي البهجوري من خلال رسمه لتلك الأعمال ولعه الخاص برواد الفن الحديث الكبار في أوروبا وباريس على وجه الخصوص التي كانت تمثل القبلة لمعظم هؤلاء الفنانين، هذه المدينة التي ارتحل إليها وأقام بها لسنوات طويلة قبل عودته مرة أخرى إلى القاهرة. وكان البهجوري أثناء إقامته في باريس يسير على خطى هؤلاء الفنانين نفسها، يجلس في المقاهي ذاتها، ويمشي في الطرقات التي ساروا فيها. زار متاحفهم، و «شمّ» روائحهم واستقصى أخبارهم في كل مكان ذهب إليه. يقول البهجوري: «عوّدت عيني على رؤية ما تحت الأسطح كما تفعل الأشعة البنفسجية أو الأشعة تحت الحمراء، وكنت أتخيل نفسي دائماً، وأنا أعيش في باريس في منتصف القرن الماضي وسط هؤلاء العباقرة من الفنانين الكبار الذين يمثلون رموز الحركة التشكيلية الأوروبية، فكنت أقوم بزيارات أسبوعية إلى المتاحف وأدون الملاحظات والانطباعات عن الأماكن والأعمال التي أراها. كنت أكتب وأرسم في الوقت ذاته كل ما أراه وأشعر به. زرت متحف «اللوفر» عشرات المرات، ومتحف أورساي وفان غوغ، ومتحف بيكاسو وديلاكروا، وتجولت في استوديوات ماتيس في مدينة نيس. وانتقلت من باريس إلى روما، ثم إلى فلورنسا وزرت لندن وأمستردام، متتبعاً خطوات هؤلاء الفنانين الكبار». غير أن البهجوري لم ينس خلال تجواله هذا بين مدن ومتاحف أوروبا ما يستقر في وطنه من روائع فنية تركها أجداده الفراعنة في كل مدينة مصرية. وكان يرى أن هناك علاقة ما تربط بين شاطئي المتوسط، كأن يتحسس نقاط التشابه وعلاقات الربط ومظاهر التأثير والتأثر بين كلا الجانبين بعين متيقظة شديدة الملاحظة حتى أن أطروحته المقدمة إلى جامعة السوربون كانت حول أسلوب بابلو بيكاسو وعلاقته بالفنون المصرية القديمة. يقول البهجوري: «في كل مرة كنت أعود فيها إلى مصر بعد زيارة طويلة إلى أوروبا كنت أبدأ أولاً بزيارة المتحف المصري في القاهرة ثم إلى مقابر الملوك والملكات في مدينة الأقصر للحصول على اتصال مع الأجداد، وكذلك تلمس لجذور الربط بين الشمال والجنوب».