الفساد آفة خطيرة، ولكن الإفساد أكثر خطراً؛ لأنّ المفسد يقوم بعمله وهو شديد الاقتناع بصحة ما يقوم به لاسيما عندما يتكئ على مقولات الدين (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)! كم كان بعض مواطنينا يحسنون الظن بأفراد خلية التجسس المنبثقة حتى بدت الحقيقة التي كشفت أقنعة الزيف، بضلوعهم في المؤامرة الدنيئة، كان كبراؤهم يتوافدون فرادى وجماعات على دوحة الخيانة، كما كانوا يتباهون بقصورهم ومزارعهم وخيولهم وسياراتهم الفارهة، ورحلاتهم صيفا إلى دول الغرب. وكان إبراز معالم الثراء وسيلة خبيثة لجذب الشباب وتجنيدهم؛ للعمل معهم إلكترونيا وميدانيا، وترحيلهم لتلقي دروس الخيانة. وقد وردت أسماء فتيات وفتية سعوديين في أوكار التآمر تلك، منهم ناشطة سعودية تقيم في الخارج دأبت على الظهور في ملتقياتهم، وفي وسائل الإعلام المحسوبة على قطرائيل للهجوم على بلادنا، تحت غطاء حقوق المرأة.. لقد تميز أولئك الحزبيون طوال تلك السنين بالغرور والاستعلاء على الوطن وأبنائه، حتى بدوا وكأنهم وكلاء الله في الأرض، يكفرون ويخونون، ويعتلون المنابر ويتصدرون المجالس. كانت لعبة الدين التي أتقنوها، ودلسوا بها على البسطاء والعامة، خصوصا في المظهر الشكلي، لعبة مدمرة، إذ نجحوا في استثمارها، غير مبالين بما تتكبده الدولة من خسائر فادحة إن على المستوى الاقتصادي، وإن على المستوى الاجتماعي، فكل شيء ربطوه بالإسلام، وكل المشاريع التي لا تتفق ورؤاهم الظلامية اعتبروها تغريبا للمجتمع وتلبية لإملاءات دول الغرب. وهذا هو ما ضمن لهم البقاء طوال تلك العقود، وكل من ينادي بغير ما يقولونه عدوه تغريبيا ومنافقا وعميلا للغرب وزائرا لسفاراتهم، لا فرق عندهم بين كبير أو صغير، ناهيكم عن قاموس البذاءة الذي اشتهروا به ولقنوه أتباعهم لوصف كل من يعارضهم. حتى عندما أستجيب لكل مطالبهم بأسلمة كل مناحي الحياة في بلادنا، زادوا استعلاء وغرورا وبطشا في المجتمع، فجمعوا من حولهم الأتباع والمريدين الذين يأتمرون بأمرهم. حتى بتنا نعتقد أن هذا أقصى ما يطمحون إليه، ولن يتمادوا في طلب المزيد، لكن الأحداث الأخيرة كشفت ان طموحهم بلغ شأوا بعيدا، وهو التآمر مع دويلة الحمدين. فهل هناك ما هو أكبر جرما مما فعلوا؟ لقد كان كل شيء منهم متوقعا إلا العمالة والتآمر على الوطن مع إرهابيي قطر وشيخ الفتنة القرضاوي والصهيوني عزمي بشارة. وهنا لا يسعنا إلا أن نتساءل: أليس هؤلاء هم أصحاب شعار السفينة التي إن غرقت غرق الجميع، أم أنهم قد أعدوا العدة للمغادرة قبل الغرق في حال لم ينجح مشروعهم في بلادنا، وعمّ الخراب فيها، بجلب قطر ميليشيات إرهابية، ومرتزقة من كل أصقاع الأرض؛ ليدمروا بلادنا تدميرا لا يبقي ولا يذر، كما فعلت في ليبيا وسوريا. ثم كيف انحدرت بهم الخسة والدناءة إلى هذا المنحدر التآمري؟ هل أعمت الأموال أبصارهم؟ وكيف هان عليهم الوطن الذي عاشوا في كنفه وتمتعوا بثرواته وتمرغوا في نعيمه، ونالوا منه أكثر مما نال غيرهم، بإقدامهم على ما أقدموا عليه؟ كيف سولت لهم أنفسهم المريضة استخدام الدين مطية لمآربهم القبيحة؟ بل كيف لم يرأفوا بالأغلبية الساحقة من المواطنين البسطاء والعامة الذين يبجلونهم حدّ التقديس؟ أولئك الذين لو نجح مخطط الحمدين الشيطاني سيكونون أول ضحاياه، فليس لهم من أرض سوى هذه الأرض؟ ثم أليس أولئك المتآمرون أصحاب مقولة بلاد الحرمين، وأرض المسلمين، فكيف يتآمرون عليها؟ أليس هذا دليلا على لؤمهم ونزعاتهم الإجرامية، وأن الإسلام لا يعنيهم، و(بلاد الحرمين) ليس إلا شعارا قبيحا يشهرونه في وجه الدولة، متى ما أرادوا إحباط أي قضية من قضايانا الوطنية، بدعوى أنها لا تليق ببلاد الحرمين التي لأمة الإسلام حق فيها؟ إن تآمر (الخوان المفلسين) على بلادنا، لصالح الحلم القطري التوسعي، بدأ بالتحريض عليها، وتيئيس المواطنين والشباب بصفة خاصة من المشروعات وخطط التنمية، بخلق حالة عدم ثقة بين الدولة وبينهم، وذلك عبر خطابهم في المساجد ووسائل إعلامهم وفي مواقع التواصل الاجتماعي، مستغلين مناخ التسامح معهم. لا ريب أن فكرهم يتنافى مع فكرة الوطن هوية وانتماء، إذ ثبت أن انتماءهم للأيديولوجية الحزبية يفوق أي انتماء، سواء أكان انتماء وطنيا أم انتماء قوميا (عربيا)، لهذا فليس غريبا عدم اهتمامهم بما يفرضه عليهم الانتماء الوطني وحقوق الوطن وحقوق السيادة. فمنذ أن تأسست تلك الجماعة، لم يكن في خططهم الانخراط في الهوية الوطنية، فهم لا يريدون من الوطن إلا مغانمه والانقضاض عليه حسب ما خطط لهم، أما تصديع الهوية الوطنية، فينسجم تماما مع تآمرهم ضده. ختاما؛ الفساد آفة خطيرة، ولكن الإفساد أكثر خطراً؛ لأنّ المفسد يقوم بعمله وهو شديد الاقتناع بصحة ما يقوم به لاسيما عندما يتكئ على مقولات الدين (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)!