لا تزال لحمتنا الوطنية وتماسك أبناء المجتمع ووقوفهم صفاً واحداً خلف قيادتهم في ظل التحديات والتهديدات التي تمر بها المنطقة لا تزال هي الرهان الذي يكيد الأعداء ويغيضهم، ويسعود بشتى الصور لمحاولة التأثير في هذا التلاحم الفريد حتى يتسنى لهم الدخول في هذا المجتمع ومحاولة زعزعة كيانه. وأمام ذلك تبقى هنالك بعض المهددات لهذه اللحمة الوطنية كالتطرف والانحراف الفكري الذي يشوّه الهوية ويكسر القيم الاجتماعية ويتجاوز الحدود الجغرافية، بل ويدفع باتجاه نصب العداء بين أفراد المجتمع الواحد، ويسعى إلى تمزيق اللحمة وخدمة الأعداء، كل ذلك يأتي -اليوم- وسط أمواج مضطربة من التحديات الأمنية والفكرية والاقتصادية والسياسية التي تعصف بالمنطقة برمتها، ولكن عناية الله سبحانه وجهود المخلصين من حكام وعلماء وأفراد درع حصين يدفع الأخطار والمحن المحدقة، وقد أجمع أكاديميون وباحثون تربويون وشرعيون على أن المملكة تعيش تماسكاً اجتماعياً لا نظير له تحطمت على صخرته أحلام الحاقدين ومخططات المغرضين. انشقاق وتمادي وقال د. فيصل بن حماد -أستاذ إدارة الأعمال بجامعة حائل-: إن التعاطي مع موضوع اللحمة الوطنية يأتي في وقت تنتشر فيه الفتن الرامية لزعزعة أمن وطننا الغالي من خلال خلق وعي فردي متطرف يتعارض مع الوعي الجماعي المنتج، يوجب التنبيه إلى نقطة ارتكاز رئيسية ألا وهي نظرة الفرد للعالم، فبلاشك كل شخص يمتلك نظرة عن العالم من حوله -علم أم لم يعلم- وهذه النظرة مشكلة من حجم معرفته، اطلاعه، قيمه، دينه، وتجربته في الحياة، وهذه المكونات تشكّل الوسائل التي من خلالها يحكم على ويفسر الأمور (دونالد ناش 2004م)، مضيفاً أنه على سبيل المثال لو افترضنا توأمين من الناس يشتركون في جميع مكونات هذه النظرة إلاّ التجربة، فواحد منهم شخص ناجح والآخر ارتكب جرماً عوقب عليه بالسجن، فهل الشخصان سيتعاطيان مع أي أمر بالعقلية المشتركة بالمكونات والمختلفة في التجربة، الجواب لا، مُحذراً من التطرف كفكرة؛ لأنه يستدعي الانشقاق والتمادي بالتباعد بأي مكون كان سواء معرفياً، قيمياً، دينياً، اجتماعياً، أو تجريبياً للحد الأقصى الذي يتجاوز الفكرة إلى الإيذاء -التطرف كمفهوم فلسفي-. عدم احترام وأوضح د. بن حماد أن وحدة الاختلاف مع الآخر وإن كان أخاً هو عدم قدرة العقل على استيعابه وفهمه، والمحاولة لخلق جسور التواصل والود والرحمة، مضيفاً أن التطرف يوحي بعدم قدرة عقل المتطرف على نقد الفكرة المتبناة -من قبله-؛ بسبب ضعف حجم المعرفة لديه، والذي يعوض بالعاطفة المجنونة، ومن هنا يبدأ صراع الهوية وعدم احترام القيم الاجتماعية المتعارف عليها وحدودها الجغرافية، وينشأ نصب العداء لبعض أفراد المجتمع المختلفين معه، متأسفاً على أنه في الوقت الراهن تصب وسائل التواصل الاجتماعي المرئي منها والمسموع -المحسوبة- أهدافها من خلال مكونات المعرفة والدين والقيم في عقول الأجيال المختلفة في مجتمعنا لخلق الفتن ولزعزعة اللحمة الوطنية، ذاكراً أنه يجب أن نعي بأننا كشعب عربي سعودي بأننا من الشعوب الجماعية في التفكير واتخاذ القرار، ولسنا مثل الشعوب الغربية -الفردية- التي يسعى فيها الفرد للتميز كما تشير جميع علوم الأنثروبولوجيا، مبيناً أننا في الآونة الأخيرة تبنينا الكثير من القيم الفردية التي تتعارض مع مصلحة الجماعة لغرض التميز بأي شكل كان، ومن هذا المنطلق يجب أن نعي كمجتمع أن الاختلاف صحي، ولكن بشرط أن يصب في نبع اللحمة الوطنية والمصلحة العامة والنقد البناء ولا يصل إلى حد التطرف مهما حاولت وسائل الإعلام المحسوبة والأشخاص المتبنين لثقافات دول مستفيدة من ضخ أفكار مسمومة. هوية اجتماعية وشدّد د. بن حماد على أنه من الحلول المطروحة في هذا المجال تعزيز الهوية الاجتماعية التي عرف هذا الوطن من خلالها، ككرم الأخلاق والشيم، وغض الطرف والتجاوز عن نقل المعلومة السلبية عن أي شخص ما، فعلى سبيل المثال: فاجعة رمضان التي قتل فيها متطرف والديه، لو علم ما هي الشيمة لامتنع عن التطرف بغض النظر عن مصدره، ولكبح جماح نفسه التي أمرته بالسوء، مضيفاً أن رسول الأمة عليه الصلاة والسلام قالها بفصيح العبارة: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وهل من مكارم الأخلاق التطرف؟، مبيناً أن تعزيز المعرفة البناءة في أي موضوع ديني كان أو أمني أو سياسي وإحلالها مكان العاطفة المجنونة، تعتبر وسيلة عظيمة لتجنب أي نوع من أنواع التطرف وشق صفوف اللحمة الوطنية، مؤكداً على أن للمعرفة شروط، حيث لا تجنى من نفايات المعرفة السطحية المتوفرة على الإنترنت والمعاد تدويرها بوسائل الإعلام، فالتخصصية وأدبيات الالتزام العلمي هي السبيل، وعلى سبيل المثال ما يدرس في الجامعات كتخصص لا يمكن إيجازه بموقع على الإنترنت، وإن حاولت الكثير من المواقع خلق تجربة تفاعلية مع المتلقي؛ لأن الجامعات توفر المعلومة المتخصصة في كل مجال من خلال الكتب القيمة للمعرفة البناءة -التراكمية-، وتنقل من خلال كادر عالي التخصصية لأبناء هذا الجيل خلال الفترة الجامعية. درع حصين ونوّه الشيخ بندر بن محمد الربيش -باحث شرعي- بما تنعم بلادنا من نعم عظيمة من أبرزها نعمة الأمن واللحمة الوطنية التي ليس لها مثيل في العالم بأسره، وهذه اللحمة اجتمعت من تلاحم علماء هذه البلاد بحكامها منذ الدولة السعودية الأولى والثانية وكان أوجها في عهد المؤسس الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه-، مضيفاً: "لقد كانت بلادنا ومازالت مضرب المثل باللحمة والترابط بين الشعب والعلماء وحكامها، مما أثار حفيظة الأعداء فجعلوا يخططون ويكيدون للنيل منها ولكنهم خسروا الرهان بفضل الله تعالى أولاً ثم بوفاء أبنائها البررة"، مبيناً أن التحديات الأمنية والسياسية التي تعصف بالمنطقة خطيرة جداً ولكن عناية الله وجهود المخلصين من حكام وعلماء وأفراد من أبناء هذا الوطن درع حصين -بإذن الله- يدفع عن بلاد الحرمين الأخطار والمحن، ذاكراً أن هذه اللحمة لم تأت من فراغ بل من تماسك مجتمعي مع حكومة رشيدة تحت مظلة الوطن الواحد، ويجب علينا جميعاً ومع هذه التحديات من حولنا وتربص الأعداء أن نحافظ على هذه اللحمة ونقف سداً منيعاً للدفاع عن عقيدتنا وأمننا ومكتسباتنا الوطنية ومجتمعنا الوفي، كذلك يجب على علمائنا والمسؤولين وكل فرد من أبناء الوطن المخلصين الاهتمام بهذا الجانب المهم والسعي للمحافظة عليه، حتى تزداد اللحمة متانة بالسواعد القوية النابضة بروح الشباب لبناء وطننا والنهوض به إلى مصاف الدول المتقدمة ولا يتحقق ذلك إلاّ بالتكاتف والتعاون. تلويث الأفكار وشدّدت عائشة البلادي -باحثة تربوية- على أهمية أن نستشعر كمواطنين سعوديين ما نعيشه في بلادنا الحبيبة من أمن وأمان ما كان ليتحقق لولا فضل الله تعالى ومنته ثم جهود ولاة الأمر وقيادتهم السديدة للبلاد في أحلك الظروف والمحن التي مرت على العالم عامة والوطن العربي خاصة، مضيفةً: "على مدى قرابة (87) عاماً هي عمر وطننا الغالي بعد توحيد أطرافه لم نشعر بأي تهديدات أو مخاوف، فقد كفتنا القيادة الرشيدة ذلك بما وفرته من سبل الدفاع والحماية والأمن، حتى بتنا صفاً واحداً كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً في وجه مروجي الفتن والشائعات، خاصةً عبر مواقع السوشل ميديا والتي نراها في أحيان كثيرة أبواقاً تلوث الأفكار والمسامع وتسمم الآراء والتوجهات، ولعل السبيل في ذلك فلترة ما نسمع وما نقرأ وتحليله لمعرفة أهدافه والوعي بأغراض أصحابه، ولا تكون هذه الفلترة إلاّ بالثقافة والوعي التي تؤثر في سلوك الإنسان وقيمه واعتقاداته"، مبينةً أنه لا بد أن نطرح الخلاف والتعصب جانباً بأنواعه المختلفة ومسمياته المتعددة، ونتعلم كأفراد ومجموعات التعايش القائم على المبادئ الإنسانية والأخلاق الإسلامية وأن لكل منا حقوقاً وبالمقابل عليه واجبات ونتعلم تقبل الآخر مهما كان مختلفاً، فهذا التعايش الذي عاشه آباؤنا وأجدادنا قبل فترة ليست بالبعيدة، والأهم أن نغرسه في نفوس أبنائنا وشبابنا وفتياتنا ونؤصله في فكرهم وسلوكهم لنضمن لهم مستقبلاً مشرقاً ولتصبح بلادنا مضرب المثل في الوحدة والاتحاد. شجرة الأمن وقال عبدالله الحارثي -باحث-: من نعم الله تعالى على بلادنا الغالية توحيدها بعد شتاتها وأمنها بعد خوفها ولحمتها بعد تناحرها كل ذلك بعزائم الرجال المخلصين الذين بذلوا الغالي والنفيس حتى أوصلوا البلاد إلى بر الأمان، حكاماً حكماء أرسوا دعائم حكومة رشيدة منهجها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فنمت في رباها شجرة الأمن حتى أصبحت دوحة عظيمة يفيء إليها كل من عاش على ربا أرض هذا الوطن الغالي، مضيفاً: "من حق وطننا علينا أن نحافظ على أمنه واستقراره ولحمة مجتمعه ونكون رجالاً أوفياء للذود عن أمننا ومقدساتنا وقيمنا ومقدراتنا ومكتسباتنا من عبث العابثين أو كيد الحاسدين المتربصين، كل فرد منا على ثغر، فليحذر أن يؤتى من قبله، ولنعتصم جميعاً بحبل الله ولا نتفرق حتى نظل في حصن حصين من سهام الأعداء والحاقدين، ونكون يداً واحدة مع حكامنا وولاة أمرنا ورجال العلم، ولنخيب أطماع الطامعين ونحطم آمال المغرضين، مستعينين بالله رب العالمين، مبتهلين إلى الله تعالى أن يحفظ علينا أمننا ووحدتنا وولاة أمرنا وأن يرد كيد الكائدين في نحورهم إنه ولي ذلك والقادر عليه". المناسبات الوطنية تظهر حجم ترابط الشعب ومحبته لوطنه د. فيصل بن حماد بندر الربيش عبدالله الحارثي