من يتفحّص اللافتات على بعض المؤسسات في شوارعنا سيجد التسلية التي لم يبحث عنها. فأكثرها كُتبت بلغتين عربية أو إنجليزية. وتجدون أن العربية مثلا تكتب (نذير) (نزير). وقد صرف صاحب اللوحة المال الكثير على خطها وزخرفتها. لكنه لم يخطر بباله أن يوظف لُغويا، وكذلك مُترجما للإطلالة على نص ما سيُكتب في اللغتين. ظني إن تلك الأمور لا بد أن تُصّر عليها الجهة المجيزة لرفع اللوحة، لأن الذي نراه في الأماكن التجارية تافه وسخيف ومضحك. معرفة لغة كل قوم وتتبع اصطلاحاتهم من ضمن تاريخ ذلك الجيل، ومازال العلماء يهتمون بشأن اللغة العربية ومصطلحاتها، واختلاف ألفاظها ومغازيها. كذلك اللغات الأخرى، فقد وجدتُ أن الإنجليزية تهتم بالمصطلح كثيرا Idiom، وقد كثر القول عن أن الإنجليزية هي لغة مصطلح تعبيري. قال لي أحد العائدين من الغرب من طلابنا إنهم سمعوا جديدا لم يمر عليهم في تعليمهم الثانوي مثل: تخصص: .major -- معمل (مختبر) (Lab (laboratory. سكن الجامعة:(Dorm (dormitory. بطاقة الهوية (الجامعية) identity card) ID Card) وقد كنتُ أنصح كل من يستشيرني بعدم الاعتماد الكلي على ما يُطبع، بل على الدارس أن يفهم التعبير الاصطلاحي، وطبيعة اللغة وعبقريتها الخاصة.. فالمعنى -كما هو متفق- لا يمكن أن يُستمد من مجرد فهم معاني كلماتها منفصلة عن منهج تلك اللغة في التعابير. ومن ناحية اهتمام الناس في بلدنا باللغات.. فقد وجدت أن هذا توجّه جيد، لكن الذين فتحوا مكاتب ترجمة واعتمدوا على الترجمة الآلية لم يحسنوا صنعا. نظريا، تعود فكرة الترجمة الآلية إلى القرن الثامن عشر، لكن تاريخ الترجمة الآلية يبدأ فعليا في الخمسينيات، بعد الحرب العالمية الثانية التي تحقق فيها تطور ملحوظ في المعالجة الآلية للغة نتيجة الجهود المبذولة لحل شفرات التواصل بين جيوش المحور.. وقبل خوض تجارب فاشلة متتالية، كان يسود التفاؤل.. فتدفقت التمويلات على الباحثين، إذ جرب أول برنامج على بضع جمل تُرجِمت من الروسية إلى الإنجليزية بنجاح نسبي.. فقد لوحظت بعض مشكلات وعد الباحثون بحلّها في غضون بضع سنوات.. وكانت هذه التجربة تعرف بالترجمة الآلية المباشرة لأن عملية الترجمة تهم لغتين اثنتين محددتين مسبقا ولا يكون النقل إلا في اتجاه واحد (في هذه الحالة من الروسية إلى الإنجليزية). وقد تطور البرنامج بالفعل واستبدلت الترجمة المباشرة بالترجمة القائمة على تحليل قواعد النحو في اللغة المصدر وإعادة تشكيلها في اللغة الهدف، إذ أصبحت برامج الترجمة الآلية تعتمد تحليلا مسبقا للغة المصدر.