إننا في زمن تيسّر المعلومات، وانتشار الشبهات، وانفتاح الشهوات، وتفنن الإعلام، وقد اتضحت الصورة من زوايا كثيرة لكثير من الناس، فلم يعد يخفى ضرر تلك الجماعات التي تلبست باسم الجهاد ونصرة الحق، ومحاربة الفساد، وإرادة الإصلاح.. يغرر إبليس بالكثير من الناس، ويقف لهم في كل مرصد، مرتبًا وقفاته في أولويات عمل، يحرص بكيده -الضعيف- على تحقيق الأشد منها شرّا وضراوة وإبعادًا عن الحق وتقريبا من الباطل، يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في «المدارج» عقبات الشيطان، وأنه لا ينتقل من عقبة إلى أخرى حتى يستفرغ جهده ويعجز عن تحقيق الأشد، فمكائد الشيطان كثيرة! يصرع بها العباد؛ ما بين كفر، وشرك، وبدع، وكبائر، وصغائر، وترك واجبات، وفعل محظورات، وتهاون بالمستحبات، وتقديم المهم على الأهم، والقاصر على المتعدي من العبادات. ويطرب إبليس حين يظفر بالقلوب التي تسرها أذية الآخرين، واستحلال دمائهم، وإزهاق أنفسهم، فيقدم هذا العمل على غيره، إدراكًا منه أنه طريق لكل شر. وهو لا يبدأ مكائده وبث سمومه إلا بعد أن يصنف المستهدفين بخبثه إلى طبقات وأصناف، فيركز على العلماء وحملة الدين؛ لعلمه أن الزلة من عالم أفتك بالأمة من كفر جاهلٍ، ومعصية عاصٍ، فإن تلك الزلة ينصبها أناس منارًا يسيرون عليه ويدافعون عنه، وكثير من التعصبات المذهبية تنشأ عن مثل هذه الزلات، فإن لم يظفر عدو الله بعالم يوقعه في مثل تلك الزلات، وسوس للناس باتخاذ رأسٍ جاهلٍ، يصوره للناس عالما ورعا، فيظن أنه من أهل العلم والفتوى، ويحسن الظن بنفسه في كونه حريصًا على الدين ويسيء الظن بالمجتمعات المسلمة، فيفتي بغير علم فيَضل ويُضِل، وقد يدري بحال نفسه فيكون أداة لتدمير الأمة عن علم، وقد يكون ضالا عن معرفة حاله، فيسدي لأعداء الأمة خدمته بغير مقابل وكما قيل: عجبتُ لمن يَشِري الضلالة بالهدى! ومن يشتري دنياه بالدين أعجبُ وأعجبُ من هذين من باع دينَه بدنيا سواه ذاك من زين أعجبُ! ولعل إبليس تمكن -على ضعف كيده- من حشر هذه الأصناف في وقت واحد، فنحن بين عالم يزل، ومتعالم يضل، ومتآمر لا يمل، وما يجري للأمة من فتن قد يكون له أسباب كثيرة، ولكن هؤلاء على رأس كل الأسباب، فها هي أدوات التدمير والقتل والاغتيالات والتفجيرات، تتحجج بزلات بعض العلماء وتحريف المتعالمين، فتمضي في قتل المسلمين واستباحة نفوسهم وأعراضهم، وتسعى لزعزعة أمن أطهر البقاع غير آبهةٍ بحرمة ولا بحرم. إن مهمة العلماء الربانيين، والمشايخ المخلصين، كبيرة وحتمية، في تفنيد الشبهات، وتوضيح المسلك الحق من آيات الكتاب، وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله، التي تتحدث عن نصرة الإسلام، وجهاد الأعداء، ومحاربة الفساد، والسعي في الإصلاح، والتي يغرر بها أولئك أتباعهم لتحقيق أطماعهم، كما أن على الجهات المعنية بأمر الدعوة والإرشاد تكثيف الجهد فوق جهدهم المشكور وسعيهم البارز والمنظور، في غربلة ما يلقى على مسامع الناس من على المنابر والقنوات ومواقع التواصل، فإننا في زمن تيسر المعلومات، وانتشار الشبهات، وانفتاح الشهوات، وتفنن الإعلام، وقد اتضحت الصورة من زوايا كثيرة لكثير من الناس، فلم يعد يخفى ضرر تلك الجماعات التي تلبست باسم الجهاد ونصرة الحق، ومحاربة الفساد، وإرادة الإصلاح. ولم يكن خافيا ذلك الدمار والخراب الذي أحدثوه ويحدثونه، هنا وهناك في بلدان المسلمين، وتلك الأرواح البريئة والدماء المعصومة التي لا يلقون لها بالا، فكل تلك الصور والأحداث تساعد العلماء والمشايخ في التحذير من هذا المسلك الخطير، فتكثيف المشايخ جهودهم، إضافة إلى يقظة عين الأمن، وإخلاص رجاله كفيل بتوعية شرائح كثيرة من الناس بخطر هذه الدعوات، وسيكون سببا لرجوع كثير من المغرر بهم إلى جادة الصواب، وركوب سفينة «الوطن» التي تبحر بنا سويا تشق عباب المستقبل الواعد، فالمحافظة عليها هي مهمة الجميع، وإن تفاوتت بحسب مكانة كل راكب. هذا، والله من وراء القصد.