يعيش أفراد المجتمع حالةً من التغيير الاجتماعي فما كان مرفوض وعيب لدى الشباب من الالتحاق ببعض المهن خوفاً من النقد والضغوط الاجتماعية تحرروا منها اليوم بمعنى أن المجتمع تحول إلى حالة الفردية في اتخاذ القرار أكثر من ميله إلى الحالة الجماعية وأصبحنا نرى شبابنا في كل فرص العمل المتنوعة سائقاً لدى شركات التوصيل وعاملاً في المقاهي وشيفاً في المطاعم وأحياناً يقف على ناصية الطريق لبيع المشروبات الشعبية وخلافه، مما يعني زيادة الوعي لديهم بأهمية العمل ونوعيته ومهنيته وتأكيداً على الخروج من نمطية الصورة الضبابية التي كانت تحيط بهم إلى أفاق العمل الواسعة. ومع انفتاح بوابة الترفيه التي طالت أكثر المدن بات من الملاحظ حرص الأسرة السعودية على الحضور ومتابعة الفعاليات في وقت كان مجرد الحديث عن الحفلات والمسرحيات يناقش بشكل خجول وكانت الأسر تستغل الإجازات للذهاب إلى المدن الخليجية أو العربية لمشاهدتها. المجتمع مهيأ للتغيير أكد د. سليمان العقيل -أستاذ علم الاجتماع- أن الطبيعية البشرية أياً كانت قابلة للتغير والتغيير والتحول، لأنها جُبلت عليها، بل إن التغير سنة من سنن الله تعالى في الكون، فكما يقول علماء الاجتماع: إن" التغير هو الدال على وجود الموجود". لذلك لا يستغرب التغير أو يحاول إيقافه أو عدم حدوثه ،إلاّ من لا يعرف حركة حياة المجتمع والكون. وبالنظر للتغير المخطط له في المجتمع السعودي منذ تأسيس المملكة، وبالخصوص منذ1970، يجد أن الحكومة السعودية قد عملت برامج تنموية تغييرية بالمجتمع، في كمها وجذريتها للبناء الاجتماعي والفرد السعودي. وقد كان التغيير الاجتماعي في العقدين السابقين مجموعة من الضوابط الاجتماعية (الإضافية)ذات التفسير والتأويل الديني البدوي والقروي الذي لا يتفق تماماً مع الانطلاقة الكبرى، لأن التغيير آنذاك كان انطلاقة من الصفر تقريباً(دينياً واجتماعياً وثقافياً وإدارياً وغيرها)، فكان التغير يحتاج إلى مساحة من الزمن أكبر مما خُطط له للاستيعاب المجتمعي، مضافاً إلى ذلك مجموعة من الظروف الخارجة عن الإرادة، وكانت الدولة تعلم ذلك وتساير التنمية. بعد هذه العقود من الزمن من التنمية والانفتاح والاحتكاك بالمجتمعات والثقافات الأخرى وتغير الأجيال بدءاً من الجيل الذي انطلقت فيه التنمية وانتهاءاً بالجيل الحالي، فالبعض بالجيل الثالث والبعض بالثاني كل الفترة الزمنية السابقة من التمهيد والتهيئة للتغير قد أثمرت بتحقيق التغير الاجتماعي، وأصبح المواطن السعودي لدية القدرة على الاستيعاب والتفاعل والإبداع ورسم المستقبل بنفسه، خصوصاً بعد تراخي أو تجاوز أو التغيير في مستوى التحليل والتفسير والتفاعل الديني البدوي القروي، فقد خفّت قوة هذه السطوة التفسيرية، بعد خلخلة البنى الاجتماعية والثقافية لتستوعب المستجدات. ويضاف لما سبق التعليم والانفتاح الفضائي(النت والبث) والسفر والسياحة، بدأ أبناء المجتمع الشباب مقارنة نفسه بالمجتمعات الأخرى ثم بدأ ينزع للواقعية أكثر، حيث انتشرت فكرة(individualizations) فقد بدأ الشباب من الجنسين التفكير في مصلحة الخاصة مع توفر الإمكانات والقدرات لذلك، وتخفف الضغط الاجتماعي عليهم تجاه العمل ونوعه ومكانه وغير ذلك، لذا نجد أن هناك الكثير من المظاهر الاجتماعية الحالية في المجتمع السعودي كانت شبه محرمة أو مهانة اجتماعية، فقد أصبحت اعتيادية لا أحد يلتفت لذلك ومن أهم الأسباب في ذلك ضمان الدولة للفرد وربط انتمائه بها وأنها مسؤولة عن العمل ونوعه بالمجتمع، بالإضافة إلى الاحتياجات المتعددة للأفراد وكثرة الطلبات والبحث عن تحقيق الذات وتطوير النفس والطموح وتحقيق الآمال. المجتمع السعودي الحالي، لم يعد المجتمع السعودي بالسبعينات والثمانينات، فالتغيير الجذري واضح جداً. وأضاف: ولذلك في تقديري أن رؤية المملكة 2030 ستحقق أهدافها بسهولة وسبب ذلك أن المجتمع ومحتواه مُهيئ لذلك، بل إنه مهيئ لقبول أي تغيرات جذرية كبرى، رغم المقاومة للتغيير بأصوات وأشخاص وجماعات وأيديولوجيات وتفسيرات محددة تستخدم لوقف التغير أو الحد من أو حرف مساره لذلك أصبح الفرد السعودي لا يستغرب أي شيء يراه أمامه ولا يعارضه أو يحاول تغييره، بخلاف بعض من الأفراد بالمجتمع. انفتاح الفكر ويرى محمد الزنيدي -الأخصائي الاجتماعي- أنه وفق ما طرحته رؤية 2030م أن دعم الشباب وتحفيزهم للعمل في شركات التوصيل والمقاهي والمطاعم وغيرها من الأعمال التي كانت حصراً على العمالة الأجنبية وكذلك "الترفيه" تُعد خطوة اقتصادية واجتماعية غاية في الأهمية لتنوع الموارد لما بعد عصر النفط حيث إن الشباب يمثل في مجتمعنا وحسب الإحصائيات الرسمية المعلنة ما يقارب حدود 65 % من مجتمعنا حيث كان في السابق من يقوم بأعمال التوصيل وغيرها من الأعمال الميدانية هم العمالة الأجنبية حيث يجنون أموالاً طائلة ويتم توريدها بمليارات الريالات للخارج (لبلدانهم) وكذلك الترفيه حيث يصرف السعوديون على السياحة الخارجية مليارات الريالات، ولذا ووفق ما طرحته رؤية 2030م هي إيجاد حل أمام هذا الهدر المالي الهائل الذي يذهب للخارج، ويحرم الاقتصاد الداخلي أو الوطني من منافعه وإيجابياته. وبين أنه مع متغيرات الحياة حيث يصاحبه الكثير من التحولات في مجالات الحياة المختلفة وكما هو حال المجتمعات النامية أخذت طريقها إلى التنمية الشاملة بقصد إحداث تغيير مقصود في حركة الحياة حيث نجد ذلك الإقبال الهائل من الشباب السعودي سواء (رجال أو نساء ) عندما كانت في البدايات على استحياء أصبحوا الآن يتسابقون على تلك الأعمال حيث تُعد لهم دخلاً إضافياً إن كانوا يعملون في وظائف أخرى حيث لا يرتبطون بوقت محدد للعمل على سبيل المثال العمل في خدمات التوصيل كأوبر أو كريم لا يرتبط بدوام رسمي مقابل أنه يحفظ قيمة الشخص وكرامته من خلال استخدام سيارته الخاصة ذات مواصفات عالية الجودة كما هي متطلبات تلك الشركات وبالمقابل العمل في المحلات والمقاهي حيث تغير الفكر لدى كثير من الشباب تجاه تلك الوظائف رغم أنها ظلت في مجتمعنا ولسنوات طويلة غير مُحببة لدى كثير من الشباب بسبب العادات والتقاليد وكذلك النظرة الدونية لتلك الوظائف ولكن ومع متغيرات العصر والحياة وكذلك انفتاح الفكر بدأت تلك النظرة بالتلاشي في ظل حاجة الشباب للعمل وتغير الفكر في جيل الشباب الحالي بأن أي وظيفة تُعد مصدر رزق وحلال هي فخر لنا وليست عيباً أو خجلاً وذلك الحال ينطبق على الإقبال الشديد ومطالبة الكثير من أفراد المجتمع هيئة الترفيه على زيادة برامج الترفيه بحيث تتوزع وتتغير نشاطاتها لتغطي أكثر الأماكن حيث لم يعد الترفيه في المجتمع من الأمور الثانوية أو وقت مهدور كما يصفه البعض بل أصبح من الجوانب المهمة للمجتمع والتي من خلاله يجد المجتمع متنفساً له ليبتعد عن ضغوطات الحياة خاصة العملية منها، لذا نجد أن الإقبال الشديد لكثير من أفراد مجتمعنا نحو برامج الترفيه سببه هو البحث من قِبلهم عن أي شيء يضفي البهجة والسرور والتفاؤل في نفوسهمو وكذلك كسر الروتين اليومي الذي يجده البعض مملاً، بالإضافة إلى ملء أوقات فراغهم وكذلك توفر المال لدى البعض وتغنيه عن السفر وصرف مبالغ طائلة للبحث عنها في الخارج وأخيراً نجد أن أهم ما يتميز به عصرنا الحاضر هو سرعة التغيير في كل المجالات وهذا هو نتاج التكنولوجيا والتعليم حيث إن ذلك التغيير أمر حاصل لا محاله فالتكيف معه أمر حتمي كي يصبح إيجابياً وداعماً لبناء وطن متحضر كي يُرتقى به إلى مصاف الدول المتقدمة أو المتحضرة مقابل أن يحافظ على قيمنا الدينية وثقافتنا الأصيلة. انعكاس إيجابي على الشباب وتشير نورة الحمودي -محاضرة بجامعة الملك عبدالعزيز- أن عوامل عديدة نتج عنها عدة تغيرات لازالت مستمرة وتفرز المزيد من التحولات وفي واقع المجتمع السعودي المعاصر تتسارع هذه التحولات والتغيرات الاجتماعية، تبعاً للتغيرات الاقتصادية بالخصوص، وإن كنا نشهد اليوم اتجاه الشباب إلى الأعمال الحرفية وغيرها إلا أن هذا الاتجاه ليس بالجديد على المجتمع، فقد خرج الكثير من أهالي القرى إلى المدن والمستوطنات الحضرية للعمل في العديد من المهن والحرف اليدوية خارج إطار الزراعة والرعي، فعملوا على سبيل المثال في البناء وسقي الماء وغيرها من الحرف البسيطة، ومع مرور فترة زمنية عاش فيها أفراد المجتمع الرخاء بحيث ابتعد فيها الغالبية عن العمل الحرفي، إلا أن التغيرات الاقتصادية المتذبذبة بين الصعود والهبوط تثبت على الدوام أن الشباب السعودي لا يُمانع العمل في أي مهنة طالما هي في الإطار الشرعي وتشبع احتياجاته المادية والمعنوية فأصبحنا نرى أبناءنا في شتى الوظائف والمهن فمنهم من يعمل في مجال الفندقة والسياحة، ومنهم من أبدع في ابتكار التطبيقات الإلكترونية ومنهم من يشغل ساعات الفراغ في العمل بشركات التوصيل المتعددة. وزادت، كما الشباب، نجد الفتيات السعوديات قد انطلقن كذلك للعمل في مختلف المجالات سواء من داخل المنزل أو خارجه في ساحات العمل الميدانية، وهذا الخروج للمشاركة في النظام الاقتصادي ليس بالجديد أيضاً بالنسبة للمرأة فمنذ القدم نجد النساء إلى جانب الرجال في الرعي والزراعة والتجارة. ولاشك بأن هذا التوجه من الشباب والفتيات لممارسة مختلف أنواع المهن يُولّد التكامل في النظام الاقتصادي وينعكس بشكل إيجابي على كل قطاعات المجتمع. وأشارت أن بعض هذه المهن مثل العمل في شركات التوصيل بدأت تنعكس بشكل إيجابي على سلوك الشباب العاملين بها، بحيث لاحظنا قدرة الشاب السعودي على ضبط النفس عند تعامله مع المرأة كعميلة، قد يكون هذا التعامل بين النساء والرجال ضمن إطار العمل مدعاة لاكتساب مهارات التواصل مع الجنس الآخر، ولاكتساب خبرات اجتماعية تجعل الشاب يفهم الحياة بجانبيها الإيجابي والسلبي والفتيات أيضاً أتاحت لهن فرص العمل المتنوعة اكتساب خبرات اجتماعية ومهنية ومهارات حياتية ضرورية تساعد على تنمية شخصياتهن وإعطائهن المزيد من الثقة بالنفس مما يحميهن من التعرض للعنف نتيجة تنامي قوتهن الاقتصادية والنفسية والاجتماعية. فتيات سعوديات يعملن في "الفود ترك" بكل ثقة واعتزاز شبابنا انخرطوا بقوة في جميع المهن التي كانت مرفوضة سابقاً د. سليمان العقيل محمد الزنيدي