«وزارة الصناعة» توقع مذكرات تفاهم مع 6 دول لتطوير قطاع التعدين والمعادن في المملكة    الذهب يتراجع وسط ترقب لتقرير التضخم الأمريكي    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف إسرائيلي على مركز إيواء للنازحين بمدينة غزة    لماذا تتوقف الرسائل الصوتية عند تقريب الهاتف من الأذن؟    250 شركة برتغالية تستعد لدخول السوق السعودية    «إثراء الضيافة القابضة» تدشن هويتها الجديدة بحضور وزير الحج والعمرة    حسابات السومة    «التعليم»: الفحص اللياقي.. شرط لقبول الطلاب المستجدين العام القادم    «دلة البركة» توقّع اتفاقية تعاون مع شؤون حجاج الصين    حج آمن    المملكة والسَّعي لِرفع العقوبات عن سورية    فيصل بن بندر يطلع على أعمال أمن المنشآت    الأهلي يصطدم بالخلود.. وصراع «الوسط» ب «ديربي الرياض»    الشباب ينهي عقد كويلار    الاتحاد يتخلى عن صدارته    "سلامة الأغذية" بالرس يحصل على "الأيزو"    المتحدث الأمني لوزارة الداخلية يؤكد أهمية تكامل الجهود الإعلامية بمنظومة الحج    أمير الشرقية يتسلم تقرير الملتقى العلمي    فيصل بن نواف يطلق ملتقى «جسور»    أمير القصيم يدشن مشروعات محافظة أبانات    سعود بن بندر يستقبل مدير الالتزام البيئي ورئيس «رياضة الأساتذة»    البروتين البديل    سعود بن خالد يشهد اتفاقية «الفاحص الذكي»    مستشفى المذنب يُجري 1539 عملية جراحية    مفتي الطائفة العلوية ل«عكاظ»: السعودية محل ثقة.. ودورها محوري في سورية    «أمن الدولة»: انتقلنا من مرحلة توفير الأمن إلى صناعته    مدير الجوازات: أجهزة ذكية لقياس مدة بقاء الحجاج في «الكاونتر»    زمن السيارات الصينية    بايدن يرفع كوبا عن اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب وهافانا ترحب    مجلس الوزراء: تشكيل لجنة مركزية دائمة للجهات الأمنية في المنافذ الجمركية    من أعلام جازان.. الشيخ الجليل ناصر بن خلوقة طياش مباركي    صراع «الفاشنيستا» تديره فَيّ فؤاد    الدبلوماسي الهولندي ما رسيل يصف بعض جوانب الحياة في قنا حائل    ابو قلبٍ مريح    أمريكا والتربية    م ق ج خطوة على الطريق    احتفاء ب"الحرف اليدوية"    ولي العهد ورئيس البرازيل يبحثان تطوير العلاقات    برينتفورد يفرض التعادل على مانشستر سيتي بالدوري الإنجليزي    يا رجال الفتح: كونوا في الموعد    مفوض الإفتاء في جازان يحذر من خطر الجماعات المنحرفة خلال كلمته بالكلية التقنية بالعيدابي    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير منطقة مكة المكرمة يفتتح» مؤتمر ومعرض الحج 2025»    "سلمان للإغاثة" يحلق عالمياً    منشأة خامسة لأرامكو السعودية تدخل قائمة "المنارات الصناعية"    زراعة البن .. إرث أصيل ومحصول واعد    الآثار المدمرة بسبب تعاطي المخدرات    «الغذاء والدواء»: الجنسنغ بجرعات عالية مضر بالصحة    هل انتهت كرة السلة في المدينة المنورة ؟!    ألمانيا.. بين دعم السلام والأسلحة الفتاكة!    الدكتور علي مرزوق إلى رتبة أستاذ مشارك بجامعة الملك خالد    أفكار قبل يوم التأسيس!    انطلاق فعاليات معرض مبادرتي "دن وأكسجين" غدًا في جازان    نائب أمير تبوك يتسلم التقرير السنوي لانجازات واعمال فرع وزارة التجارة    أمير الشرقية يقدم التعازي لأسرة السماري    إنجاز علمي جديد.. «محمية الملك عبدالعزيز الملكية» تنضم للقائمة الخضراء الدولية    أمير الجوف يشيد بدور "حقوق الإنسان"    «اجتماعات الرياض» تبحث إعادة بناء سوريا وتحقيق أمنها    برعاية الأمير فيصل بن خالد.. إطلاق جائزة الملك خالد لعام 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبطال التغير سعوديون يغسلون الصحون
وعي السعوديين بحقيقة العمالة الوافدة يصنع مجتمع الخطورة ويعلن شرارة المنافسة (6- 6)

بدلت التغيرات العالمية من ثقافة الشعوب داخل مجتمعاتهم وأخذ الجيل الجديد (في مجتمعنا اليوم) يبحث عن سبل ومعايير تتناسب مع إرادته وعقليته الشابة المتجددة لتخدم طموحاته وتساعده على شق طرق حياته دون الاعتماد على معايير بلورها الجيل الماضي أو الأجيال السابقة وهنا نجد الشاب السعودي يحاول أن يتبنى كل ماهو ابن عصره ولا ينظر للعادات والتقاليد السابقة أو الموروث الثقافي والاجتماعي التي كان يعيشها قبل لحظة من الزمن حتى ولو كانت تلك المعايير والقيم متعارضة مع ما هو سائد في محيطنا الاجتماعي اليوم.
وبدأ الجيل الجديد اليوم من فئة كبيرة من الشباب ممن يحلو لنا أن نطلق عليهم أبطال التغير وليس كما يحلو للبعض أن يطلق عليهم ضحايا التغير. أصبح هؤلا الشباب يتركون كل ما هو رتيب لأنهم لا يرون فيه ما يخدم تطلعاتهم الجاذبة لتذوق المستجدات اليومية حتى ولو دفع البعض من هؤلاء الشباب للعمل في أعمال لم يعتد أن يعمل عليها آباؤهم وأجدادهم ولا حتى شريحة كبيرة من المجتمع الذي يعيشون فيه، مثل العمل في مهن الطبخ ،وتحضير السلطات، وتقطيع البصل ،ومسح جدران المطعم وأرضياته ،وتقديم الشاي، والتحميل ،وإيصال الطلبات ،وغيرها من تلك من الأعمال والتي ألتقينا اليوم ببعض ممن أصبحوا يعملون فيها من أبنائنا اليوم ضاربين في ذلك العمل أروع صور المنافسة للحد من العمالة الوافدة. هؤلاء الشباب عندما حاورناهم رغم أعمالهم المهنية البسيطة وجدنا لديهم أحلاماً عريضة وهموماً وطنية كبيرة حملوها بداخلهم حتى وإن كان ذلك على حساب نظرات فئة صغيرة من المجتمع لا تزال تنظر لهم بعين الاحتقار، وحتى ولو كان بعض مدرائهم اليوم لا يزالون من العمالة الوافدة الذين يمارس بعض منهم على هؤلاء الشباب طقوساً من التعسف والظلم والمضايقة ،وتلك العمالة لا تصل في قدراتها الى قدرات هؤلاء الشباب من أبطال التغير اليوم.
في سلسلة تحقيقات "الرياض الاقتصادي" (وعي السعوديين بحقيقة العمالة الوافدة يصنع مجتمع الخطورة ويعلن شرارة المنافسة) تناولنا في الخمس حلقات الماضية كيف صنع موروثنا الثقافي وعاداتنا مفهوم البطل والتخلي عن بعض المهن الشريفة مثل العمل في الأعمال المهنية والتقنية وأعمال الطبخ وغيرها من الأعمال الأخرى حتى تسبب كل ذلك على مر السنين في تصاعد نسب العاطلين عن العمل لدينا، ومع الوقت ومع ارتفاع نسبة التعليم في المملكة لدينا والتي وصلت الى 99% بين الجنسين من أبنائنا وارتفاع نسبة العاطلين بينهم للاكتفاء في الوظائف المكتبية وبعض التخصصات فيما بقيت وفرة كبيرة في الأعمال المهنية والتي تشغلها العمالة الوافدة بنسبة 99%، بينما تصل من يعمل فيها من المواطنين لنسب متدنية جداً. ومع ارتفاع الوعي لدى المواطن السعودي وفرزه للعمالة الوافدة بين رديء وجيد ،وكشفه للعمالة الوافدة وأنها أقل تعليماً من فئة كبيرة من شبابنا السعودي، اتجهت كثير من العمالة للانتقام من وعي المواطن، وأخذت تتمرد على رجال الأمن بتسديد الكثير من الجرائم ضد المواطن في وطنه وهذا ما تطرقنا له بإيجاز في الجزء الثاني من هذه السلسة، وفي الجزء الثالث تطرقنا لضحايا البطالة من المواطنين والذين لم ينجحوا في منافستهم للوافدة ،فاتجه كثير منهم للسلب والسرقة وتعاطي المخدرات، ليجد السجون الطريق الأقصر للهرب من مشاكله، كما تناولنا في الجزء الرابع دور إصلاحيات السجون بالمملكة بالتعاون مع المؤسسة العامة للتعليم الفني والتقني في إعادة تأهيل السجناء وتدريبهم على تلك المهن التي يتطلبها سوق العمل وتوظيفهم في عدد من المصانع خلال فترة سجنهم وبعد خروجهم من السجن .وفي الجزء الخامس بالأمس تناولنا مرحلة الصحوة وهي تشجيع الشباب على العمل المهني والتقني والحد من مخاطر البطالة ومشاركه مؤسسات المجتمع في إنجاح هذه الحملة التوعوية وجهود الدولة حفظها الله منذ عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد يرحمه الله والذي لا يزال يمتد حتى اليوم بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حيث اعتمد حفظه الله أكثر من (8000) مليون ريال في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي لتطوير العمل التقني والمهني بالمملكة، ورصد المليارات في ميزانية الدولة هذا العام للتعليم وافتتاح 30 معهداً صناعياً و22 للبنات في مجال التدريب وإيفاد 2000 موظف للتدريب في شركات صناعية دولية ودعم صندوق الموراد البشرية وغيرها من الأعمال التي تشجع الشباب وهذا بلا شك جانب كبير إيجابي حقق لدينا الصحوة وحد من مخاطر العمالة الوافدة. أما اليوم وفي الجزء الأخير من سلسلة تحقيقات "الرياض الاقتصادي" فإننا نقف مع شريحة يحلو لنا أن نطلق عليهم أبطال التغير وليس كما يحلو للبعض أن يطلق عليهم ضحايا التغير وهم الشباب الذين بادروا في أعمال بسيطة جدا كانت مرفوضة قبل عشرات السنين من أجل خدمة الوطن وسد الحاجة والتغلب على متغيرات الحياة اليومية، فسجلوا بذلك إعجاب الكثير من المواطنين ،وكذلك من المقيمين الذين غالباً أصبحوا يفكرون في الرحيل وعدم العودة، بسبب هذه المنافسة الشريفة لهم من أبناء الوطن.
لكل مجتمع من المجتمعات وفي أي زمان ومكان وعلى مر العصور عناصره الثقافية من معايير قيم التوجه الزماني والتكنولوجي وتكون منسجمة ومتجانسة فيما بينها، أي لا يوجد بينها صراعات واختلافات وهذه الصفة بلا شك كانت هي السائدة داخل مجتمعنا السعودي قبل مراحل التغير التي بدأت تطرأ في السنوات الأخيرة، وكما يقول الأستاذ الدكتور معن خليل العمر في كتابه التغير الاجتماعي عن حال المجتمع قبل التغير وأن له عناصره الثقافية الخاصة .يقول الدكتور معن لوصفه للمجتمع قبل التغير :إننا (نجد أن الأفراد في المجتمع يخضعون لها (العناصر الثقافية) ويلتزمون بها ولا يستثنى منها كبير أو صغير، علاوة على كونها لا تتسامح بأن تتجاوز أي فرد من أبناء مجتمعها ولا تقبل في الوقت ذاته أن يستخدم أفرادها غيرها، بل لا تتقبل المعايير الآتية من مجتمعات أخرى لانها تعد نفسها ابنة ثقافتها وتراثها وتعد كل من يستخدم سواها منحرفاً معيارياً وخلقياً وتحث أفراد مجتمعها على وصمه بصفات بالشذوذ، وليس هذا فحسب، بل إنها لا تقبل التزاوج مع معايير أخرى مختلفة بنوع لانها أحد أركان الهوية الثقافية والاجتماعية لأبناء مجتمعها ،وهذا على نحو المجتمع الذي لم يتعرض لعواصف التغير (بالحرب أو الطاقة أو التكنولوجيا أو الابتكارات أو الحركات الاجتماعية). أما على صعيد بنائه الاجتماعي فإن أدوار ومكانات الأفراد تكون محدودة وموروثة وقليلة التخصص أي إن نظام تقسم العمل يقوم مقام على أساس الجنس أي أعمال خاصة بالرجال خارج المنزل وأخرى بالنساء داخل المنزل ويكون عمل الرجل متخصصاً بحرفة معينة أورثها أو توارثها من أجداده أي إن ابن الحداد حداد وابن الفلاح فلاح بالوراثة سواء قبل أو لم يقبل.
وفي حال مجتمعنا اليوم وكما حاولنا أن نقرأ واقعنا اليوم من خلال هذه السلسة من التحقيقات نجد أن نسبة من الشباب لم تتقبل التغير الذي أصاب المجتمع وهو حاجة المجتمع لكثير من المهن مثل مهنة السباك والكهربائي وعامل النظافة والطباخ والسائق والخادم وغيرها من المهن التي يحتاجها المجتمع السعودي اليوم وتحتلها النسبة العظمى من العمالة الوافدة من مختلف الجنسيات ،وكثير من أبناء الوطن يرون أنفسهم في هذه المهن لكن ثقافة المجتمع وكما أسلفنا تمنعهم من ممارسة هذه المهن حتى وإن كانت من أهم المهن التي يتطلبها المجتمع، ونرى كيف تحكم عادات المجتمع تحديد اختيار الشاب للمهنة في المجتمع السعودي عندما نجد شاباً مبتعثاً في الخارج من الشباب السعودي لدراسة الماجستير أو الدكتوراه وهي درجة تعطيه مكانة اجتماعية في المجتمع السعودي وحتى في المجتمع غيرالسعودي نجد هذا الشاب المبتعث في الخارج يعمل في البيع أو الطبخ وغيرها من المهن البسيطة جداً وينجح ويكسب إعجاب سكان المجتمع الذي يعيش فيه في الخارج وحتى أبناء الوطن المبتعثون هناك والذين قد لا يتقبلونه لو كانوا داخل حدود الوطن في حين أن هذا الشاب المبتعث لو كان في وطنه لم يرض بالعمل في هذه المهنة لأنه محكوم بعادات وتقاليد ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه.
وللتغير الاجتماعي في كل زمان ومكان ضحايا وقرابين (والضحايا) هم أصحاب المصالح المتضررة من التغير وأصحاب المواقع المتزلزلة من قبل التغير وأصحاب النفوذ المتصدع من التغير ذاته، أي من يعيشون أنماطاً نسقية سائدة من قبل حدوث التغير وخضعوا لمعايير وقيم تشربوا فيها وانقادوا لها وتقيدوا بضوابطها والتزموا بها، لذا فإن أي تغير في الحياة الاجتماعية يتطلب منهم استبدال هذه المعايير بأخرى جديدة حددها الجيل الجديد تتناسب مع تطلعاته وطموحاته المستجدة ولذا بقيت هذه الفئة متعارضة مع التغير، وهنا نجد هذه الفئة بارزة فيمن التقينا بهم بالأمس في هذه السلسلة من التحقيقات بعنوان (الجوعى ضحايا دائمون لمطاعم السجون) وهذه الفئة من الشباب السعودي التي رفضت التغير الجديد في المجتمع ورفضت العمل في مجالات البيع والشراء والنظافة والأعمال المهنية وغيرها من الأعمال التي كان في السائد عنها في المجتمع أنها مرفوضة داخل مجتمعه ومقبولة في الخارج فأخذ الشاب يلتوي جوعاً وأصبحت المثيرات الخارجية من انترنت وسيارات وسياحة وغيرها تثير شهوته الإنسانية حتى وجد في الجريمة ملاذا له لإشباع رغبته دون حساب تكلفة هذه الجريمة، حيث قام بعض الشباب بارتكاب سلب جوالات لا تصل قيمة الجوال لمبلغ ثلاثين ريالاً في الغالب ليقبض عليهم ويطبق بحقهم عقوبات تصل للسجن لسبع سنوات وعشر سنوات لأنهم دخلوا فيما يسمى بالتنظيم الإجرامي الذي يستوجب العقوبة الكبرى التي يطالب فيها المجتمع، لكن لو نظر الشاب لقيمة الجوال المسلوب الذي قام ببيعه وقام بتقسيمها على نسبة الحكم الشرعي الذي طاله لوجد أنه دفع بحياته للهلاك فلنا أن نقسم مبلغ سبعين ريالاً على مدة سبع سنوات لنجد أن كل سنة بعشرة ريالات، إذاً كم قيمة الشهر في حين أن الشاب لو عمل طاهياً أو بائعاً في متجر أو حتى عامل نظافة لتقاضى مبلغاً شهرياً يصل الى ثلاثة آلاف ريال لكن هذه الفئة من ضحايا التغير قاومت التحولات وعارضت تيارات التغير إرضاء لثقافة المجتمع الذي تعيش فأصبحوا ضحية للتغير اليوم.
أما الفئة الأخرى وهم موضوع حلقتنا اليوم ممن افرزهم التغير الذي يعيشه المجتمع السعودي اليوم فهم من يطلق عليهم علماء الاجتماع (القرابين أو قرابين التغير) لكننا نحن نطلق عليهم في هذا التحقيق أبطال التغير وهم فئة من الجيل الجديد تتصادم مع فئة الضحايا التي تضم الشباب (الجوعى في حلقة الأمس) وفئة (القرابين) أو أبطال التغير هم الشباب الواعون بقيمة التغير وما يحيط بهم من متغيرات عالمية ومجتمعية لأنهم يدفعون ثمن انتمائهم لكل ماهو جديد على حساب سمعتهم الاجتماعية والشخصية، فهم في الغالب اليوم يتعرضون للوصم الاجتماعي بوصفهم شباباً من الدرجة الثانية، فلا يعمل في مجال الطبخ، ولا في مجال الغسيل، أو توصيل الطلبات ،أو في السباكة، إلا طبقات من مجتمع آخر غير مجتمعنا مثل العمالة الذين نستقدمهم ليقدموا لنا هذه الخدمة، أما أن نعمل نحن مثل هذه الأعمال فهذا يعتبر تحللاً وتخلفاً، وغالباً ما تطرح هذه الألقاب عليهم من قبل ضحايا التغير الذين يدافعون عن وجودهم الاجتماعي وعاداتهم.
لكن في الغالب وما تؤكده الدراسات أن الزمن دائماً في صالح هؤلاء من أبطال التغير أو (قرابين التغير) مهما وصفوا من أوصاف التخلف، حيث يتحول سلوكهم الذي يعملوه اليوم الى قبول من المجتمع بعد إثبات جدارتهم في الوقت المعاصر وهذا يؤكد أن سلوك الإنسان ناتج عن تغير الأحداث المؤثرات عبر الزمن، حيث أكدت لنا جولة الأمس عن رصد امتهان فئة كبيرة من أبناء الوطن من الشباب السعودي لبعض الأعمال البسيطة في الطبخ والنظافة والبيع وتوصيل الطلبات والأعمال المهنية رضاء أصحاب العمل عن ما يقوم به هؤلاء الشباب مقارنة بالخدمة التي كان يقوم فيها الوافدون وارتياح أصحاب العمل على رؤس أموالهم من السرقة، وكذلك رضا عدد من المواطنين عن الخدمة التي يقوم بها هؤلاء وتقبلهم ووصفهم بالأبطال في منافسة الوافدة والحد من المبالغ التي تخرج خارج الوطن وتقليص نسبة البطالة بين الشباب السعودي، في البداية رصدنا بعض تجارب هؤلاء الشباب ممن ألتقيناهم، حيث قال الشاب جابر موسى جابر النجعي والذي يعمل في أحد المطاعم التي تقوم بتوظيف الشباب السعودي بمهنة كاشير إنه يتقاضى مبلغ (3700) ريال، ويعمل في هذا العمل منذ ستة أشهر وهو خريج المرحلة الثانوية ولا يجد في مثل هذا العمل عيباً كما يقال عند البعض.
ويؤكد الشاب جابر أن نظرة المجتمع له أصبحت أكثر ممن ممتازة، وقال إنه لا يتحرج في هذا العمل، فيما يؤكد الشاب بندر محمد الأحمد وهو أحد العاملين أيضاً في مطعم آخر أنه تسلسل في العمل من مقدم طلبات وكاشير ونظافة حتى أصبح اليوم يقوم بالتدريب والإشراف على مئات الشباب الراغبين في العمل في المطاعم، ويقول بندر الأحمد إن الشاب السعودي عندما التحق في تلك المهن البسيطة أكد لأصحاب العمل المستثمرين قدرته على التميز، وأضاف أن الشاب السعودي لديه وازع ديني كبير ونسبة في التعليم كبيرة غير العمالة الوافدة التي تعمل معنا في المطاعم، حيث هناك من لا يمتلكون تعليماً وتختلف عاداتهم وتقاليدهم عن عادتنا وتقاليدنا وكذلك لا يوجد لدى البعض منهم وازع ديني فعلى الرغم من أنهم يتقاضون رواتب قليلة، إلا أن رب العمل تضرر من غالبتيهم فيما أصبح العاملون من الشباب السعودي في المطاعم سبباً في زيادة الربح لدى صاحب العمل.
وعن المهن التي يعمل فيها الشباب قال إن المهن تختلف من الكاشير ومقدم الطعام وعامل النظافة ومقدم الشاي حسب الخبرة والدورات وطبيعة العمل، مبيناً أن المجتمع السعودي في السنوات الأخيرة سجل إعجابه بعمل الشاب في هذه المهن برسائل لأصحاب العمل ولم يعد العمل عيباً كما يرى الآخرون.
وأضاف بندر أن بعض العاملين من الشباب في المطاعم كانوا في السابق يطلبون أماكن بعيدة عن الحي الذي يسكنون فيه حتى يبتعدوا عن الحرج، لكن في السنوات الأخيرة بدأ راغبو العمل في طلب مكان قريب من سكنهم لأن نظرتهم للعمل تغيرت ونظرة المجتمع لهم أيضاً تغيرت.
من جانبة يقول الشاب حمد السماري والذي يعمل في أحد المطاعم ويدرس في الكلية التقنية إنه يعمل في هذا المجال من أكثر من سنة ونصف لكي يدعم نفسه مادياً لمواصلة دراسته وإعانة أسرته على حد تعبيره، حيث يقول إني متفوق في دراستي وأستطيع أن أوفق بينها وبين عملي اليومي ويصل مرتبي لأكثر من أربعة آلاف ريال وأجد تشجيعاً من المجتمع وأسرتي لمواصلة العمل في المطعم وأحب أن أقول للشباب إن هذا العمل في مثل هذه الأعمال ليس عيباً، كما يقول أيضاً حسن موسى عسيري إنه لا يجد حرجاً من أسرته ومجتمعة في العمل في تقديم الأكل وإعداده، بل إنه من الأعمال الشريفة ويساعده في توفير متطلبات أسرته اليومية ودفع إيجار المنزل، حيث ساعدته خبرته حتى في الطبخ لزوجته عندما تتعرض لعارض صحي.
وفي جولتنا مع الشباب العاملين في بعض المهن في المطاعم والبيع التقينا بالشاب محمد موسى غليس والذي قدم من جنوب المملكة للعمل في أحد المطاعم في الرياض بعد أن سمع ذلك من أحد معارفه فستأذن أسرته وبدأ العمل دون أن يجد ما يعيب في ذلك يقول محمد غليس إني حاصل على الشهادة المتوسطة وبدأت العمل في بيع الخضار لكن وجدت منافسة شرسة من العمالة الوافدة في الجنوب وعندما سمعت عن المجال في المطاعم حضرت لمدينة الرياض والتحقت بإحدى الدورات وراتبي يصل لأربعة آلاف ريال اليوم والحمد لله ولا أجد حرجاً في ذلك، ولا يختلف حديث زميله حسن عبدة نجعي عن زميله محمد حيث يقول بدأت العمل في أحد المطاعم حتى بمهنة عامل نظافة وتقديم الشاي واليوم أقوم بتدريب الشباب ولي خدمة في هذا المجال أكثر من ثلاث سنوات ومجال المنافسة كبير بين الشباب والعمالة الوافدة.
أما الشابان سلطان عوض حسين الشهراني ومشعل عبدالله السريع فهما أمثال أخرى للشباب الرائعين في مكافحة البطالة والبحث عن العمل الشريف عندما التحقا بمطاعم الوجبات السعرية لتحضير وجبات الهمبرجر والبطاطس وغيرها من الوجبات بعد تخرجهم من الثانوية العامة وأحلامهم لا زالت تنظر وتتطلع الى ماهو أكبر من ذلك لإكمال دراستهم وبقائهم في العمل حتى التخرج. فيما يقول الشاب علي الرشيدي والذي يعمل في بيع الخضار إنه يواصل عمله في هذا المجال رغم الصعوبة التي يواجهها والعقبات التي أمامه لكن لن يصدم على حد تعبيره مطالباً بدعم الشباب وتشجيعهم على العمل الشريف. اما هجرس محمد القاسم والذي كان منهمكاً بإعداد الطلبات في أحد المطاعم فقد كان أكثر تفاؤلاً بهذا العمل وقال إنني عملت حتى عامل نظافة ولا أجد حرجاً في العمل الشريف اليوم ويؤكد حديثه حسين صبياني والذي يعمل في أحد المطاعم من أربع سنوات ولديه زوجة وأطفال مؤكدا أن الشباب اليوم لا يجدون حرجاً في العمل حتى إن كثيراً منهم يعملون في خدمة النظافة وحتى تصل هذه الخدمة لتنظيف دورات المياه في المطعم.
وأثناء جولتنا اعترضنا أحد العمالة من جنسية آسيوية كانت مديراً على بعض الشباب العاملين في المطاعم ومنع الشباب من التصوير وحتى الحديث عن همومهم ،وهذا النوع من أنواع الضغوط التي يواجهها الشاب السعودي اليوم من العاملين في هذه المهن ممن يرأسهم أحد الوافدين من خارج المملكة ويقوم غالباً بتطفيشهم من العمل على حد تعبير أحد الشباب الذي تم طرده من العمل من أكثر من موقع بسبب أن رئيسه من العمالة الوافدة.
وفي نهاية هذه السلسلة من تحقيقات "الرياض الاقتصادي" عن وعي السعوديين بمخاطر الوافدة ومشكلة البطالة نهنئ كل شاب شريف استطاع أن يحقق تميزاً في مجال الأعمال البسيطة والمهنية ممن تغلبوا على التغيرات الاجتماعية والتغيرات العالمية التي يشهدها العالم اليوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.