انتقلت قضية الفتاوى الدينية إلى مرحلة جديدة تتسم بأن أصبحت ساحة مفتوحة لكل من يرغب في ممارستها. ثم تطور الأمر إلى الانشغال بقضايا يتم اختراعها وتوجيه الأسئلة حولها بحثا عن إجابات محددة، ثم انتشرت بعد ذلك الفتاوى التي وصفها بعض العلماء الشرعيين بأنها شاذة. خذ على سبيل المثال سؤال حول حكم تشغيل القرآن الكريم في السيارة علما أن مخارج الصوت بجانب الأرجل مباشرة!! يلاحظ أن العبارة الأخيرة في السؤال تريد توجيه المفتي نحو رأي معين، وهذا مع الأسف ما يحدث في بعض الفتاوى الدينية التي يصدرها أناس ليسوا من أهل الاختصاص ولا تتوفر فيهم شروط الإفتاء، وهي شروط صعبة. إن من يريد أن يستمع إلى القرآن الكريم في السيارة أو في غير السيارة يريد أن يسمعه بقلبه قبل كل شيء، ولا يخطر ببالة إهانة القرآن الكريم، والذي فكر بموقع السماعات وقربها من الأرجل هو بصراحة إنسان (فاضي) وأولوياته متواضعة ويريد أن يجر معه المجتمع إلى قضايا مخترعة لغرض الجدل أو لغرض الشهرة. وربما أراد من طرح السؤال التنبيه إلى ما وصلنا إليه في هذا الطريق، فقد انشغلنا عن القيم الدينية العظيمة مثل الصدق والأمانة واتقان العمل بأمور لا تؤثر على جوهر الدين ويفترض فيمن تتوفر لديه شروط الإفتاء أن يرفض التفاعل مع أسئلة تسيء إلى الدين كسؤال عن حكم من يصلي وأمامه مكيف، وحكم شحن الجوال بالمسجد، وغير ذلك من الأسئلة التي تفرغ أناس لاختراعها من أجل الجدل للجدل وليس للفائدة. لقد أصبحت الساحة مفتوحة لكل من يظن أن لديه المؤهلات للإفتاء وصار المسلم يشك في تصرفاته وعباداته ومعاملاته، وانفتح المجال الفضائي للفتوى استجابة لاندفاع الناس وكأن ثقافتهم الدينية صفر، وانهالت الأسئلة المبالغ فيها إلى درجة الإساءة للدين. المفتي المؤهل يفترض أن يتعامل مع بعض الأسئلة بعبارة (الله أعلم) ومع أسئلة أخرى كفرصة لتقديم ثقافة دينية صحيحة بدلاً من تحويل الدين إلى سؤال وجواب؛لانريد أن نختزل الدين الإسلامي العظيم بطرح أسئلة يخترعها البعض لبث الشكوك في سلوك الناس والتضييق عليهم. وحيث إن هذا النوع من الطرح قد يبعد الناس عن الثقافة الإسلامية ويفتح مجال الفتوى لغير المؤهلين فقد عملت الدولة على تنظيم الفتاوي بإصدار قرار ملكي قبل سنوات يقضي بقصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء بهدف التنظيم ووضع حد للفتاوى الشاذة ووقف الفوضى وما تسببه من آثار سلبية. أسئلة المقال تتعلق بما تحقق من نتائج في تنظيم الفتوى منذ صدور القرار، ومدى الالتزام بقرار التنظيم، وما هي آلية التطبيق والمتابعة؟ وكيف يتعامل القانون مع الفتاوى الشاذة؟.