لفتت قمصان اللاعبين في الأندية في "دوري جميل" الخالية من المحتوى الإعلاني للشركات والمؤسسات، حتى على مستوى الأندية السعودية الأكبر والأشهر، أنظار المتابعين مع استهلال أول جولتين من بداية الدوري الذي يستأنف الأسبوع المقبل، وباتت أزمة الرعاية الرياضية لأندية كرة القدم السعودية المحترفة على وجه التحديد. هي الحدث الأبرز في الوسط الرياضي السعودي، مع إطلالة الموسم بعد أن تخلى الرعاة في الموسم الماضي عن إبرام عقود جديدة مع الأندية، أو تجديد العقود السابقة. وبعد أكثر من عشرة مواسم شهدت خلالها السوق الإعلانية في الوسط الرياضي انطلاقة واسعة، وتنافساً حاداً بين شركات الاتصالات في المملكة على رعاية الأندية والمنتخبات المحلية، وكذلك شركات سيارات والبريد السعودي، وغيرها من الجهات الاستثمارية، بات المشهد خلال الموسم الحالي أكثر وضوحاً مع الإحجام الواضح من معظم الشركات، في مواصلة الاستثمار الرياضي، عن طريق رعاية الأندية، لعدم وضوح الجدوى الاقتصادية للرعاية، في ظل عدم تفعيل بعض الأفكار التسويقية للخدمات، التي تقدمها الشركات من خلال رعاية الأندية، وأيضاً لغياب المرجعية القانونية التي توثق عقود الرعاية وتحفظ حقوق جميع الأطراف، إذ إن بعض مسؤولي الأندية المحلية يتعاملون مع الرعاية في النادي على أنها لا تتجاوز إعلانات القمصان الرياضية للاعبين وتسويق الشعار، دون الدخول في تفاصيل تهم الشركات للاستفادة من تفاعل جماهير الأندية الرياضية. المحبط في الأزمة الحالية في عقود الرعاية الغائبة، أنها تحضر في وقت تنتظر فيه الأندية وجماهيرها، الدخول في عالم الخصخصة في المستقبل القريب، وهو ما يشير إلى ضبابية الموقف في الأندية، ومدى قدرتها على تجاوز هذه الأزمة، والنجاح في جذب المعلنين من جديد، بصورة أوسع وأجدى من المرحلة الماضية، التي طغت عليها العشوائية والمجاملات بين إدارات الأندية والمسوقين والشركات الاستثمارية المعلنة، ووفق قواعد عملية مدروسة، لا يحكمها فقط تعاقب الإدارات على الأندية. ويبرز انتفاء الفكر التسويقي والاستثماري في الأندية السعودية، وغياب المتخصصين في مجالس إدارات الأندية في الشؤون الاقتصادية الرياضية كمشكلة كبيرة، إذ إن جل المؤسسات وفي معظم القطاعات الخاصة، تضع في أولوياتها عند صياغة عقود الشراكة مع الأندية توفر الفكر التسويقي الصحيح في النادي، الذي تعززه الثقة بين الجانبين، والدعم والانفتاح على آفاق أوسع من مجرد إعلان هامشي على قمصان اللاعبين، يحول الأندية في الواقع إلى ما يشبه الجمعيات الخيرية، تدفع لها الشركات الملايين بمجرد وضع شعار الشركة على ملابس لاعبي الفريق فقط، دون رؤى استثمارية أوسع تنفع الجانبين، وتحكم علاقتهما قانونياً واستثمارياً في شتى الجوانب. الاستثمار في الأندية والمنتخبات بات مصدر دخل هائل في سائر دول العالم، وتجارة واسعة تشهد العديد من المتغيرات الهائلة، التي جذبت رجال الأعمال والشركات للاستثمار، ومن المهم في هذا الصدد أن تمنح الهيئة العامة للرياضة على الاتحادات الرياضية الصلاحيات الكاملة، التي تساعدها على تهيئة البيئة الملائمة، لجذب الاستثمارات الرياضية، من خلال وضع الضوابط والصلاحيات، التي تساعد هذه الاتحادات على العمل الاحترافي بالشكل الذي يتناسب مع المجتمع وأوضاع الأندية، خصوصاً وأن الأخيرة مازالت تحت رحمة الدعم الشرفي الذي يحضر ويغيب دون التزام محدد تجاه ماتعانيه الأندية من تراكم الديون موسماً بعد موسم، وتعاقدات غير مدروسة تكبدها المزيد من الأزمات المالية، ثم ملاحقة القضايا المرفوعة ضدها في الجهات القضائية الرياضية على المستوى الدولي، وهو ما طغى في الموسمين الماضيين على المشهد الرياضي المحلي على مستوى الأندية. غياب الرعاة عن الأندية أمسى يتطلب فعلياً عقد ورشة عمل ضخمة، بإشراف هيئة الرياضة وحضور رؤساء اتحاد الكرة، ورؤساء الأندية المحلية، لطرح المعوقات والحلول التي تعيد عجلة الاستثمار الرياضي للدوران من جديد، في ظل قواعد استثمارية واضحة، تبدأ من تحسين بيئة الملاعب، وجذب الجماهير بشكل أكبر، بوصفها المحور الأساس في استقطاب المستثمرين، إذ إن الإهمال المتزايد في هذا الجانب، سيوسع دائرة المعاناة في الأندية، ولن يصبح مستغرباً خبر إفلاسها أو بعضها مع مرور الزمن، واستمرار انغلاق القنوات الاستثمارية الفاعلة.