حين صدر كتابي (أدباء في ضائقات مالية) وجد إقبالاً جيّداً، ونفدت طبعته في فترة قصيرة (عشرة آلاف نسخة) ولم أُعِد طباعته بعد، أملاً في أن أضيف إليه المزيد، فقصص الأدباء مع المال كثيرة وعجيبة، وكثير منهم لا يُحسن تدبير أموره المالية، مثل بعض لاعبي الكرة، مِمّن يغرهم المال الكثير في الشباب فيسرفون ويعيشون في ترف شديد، فإذا انقطع عنهم المال أصابتهم الفاقة.. . ومنذ القدم والعرب يقولون: (أدركته حِرْفة الأدب) بمعنى أنه لم يعمل في حِرفة أو تجارة تُدر عليه المال الكثير، ويروي إخواننا المصريون أن الأديب الكبير "نجيب محفوظ" الحائز على جائزة نوبل، كان يمشي في سيارته الصغيرة ومرّت به راقصة تقود سيارة فارهة فقالت له ضاحكة: (شوف يا نجيب بيه عمل بك الأدب أيه وعمل بي قلة الأدب أيه).. قلت وفي الغرب ينال الأدباء الممتازون نجاحاً معنوياً ومادياً بشكلٍ باهر. . وموضوع اليوم عن مواقف محرجة (غير مالية) مرّ بها بعض الأدباء، وهي كثيرة نكتفي منها ببعض أمثلة: عبدالحميد الكاتب كان مُلازماً لآخر خلفاء بني أمية (مروان بن محمد)، وقد ظهر العباسيون عليه، فقال لعبدالحميد: إنّ القوم ظاهرون علينا وأرجو أن تكون معهم لتطلعني على أخبارهم فتنفعني، فأُصيب عبدالحميد بحرج شديد، ولكنه كان رجلاً فقال: (وكيف لي بِعِلْم الناس جميعاً أن ّهذا رأيك؟ كلهم سيقولون إني غدرتُ بك وأنشد: (أُسرُّ وفاءً ثم أظُهر غدرهً : فمن لي بعذرٍ يوسعُ الناسَ ظاهرُه) وظل مع مروان حتى قُتلا معاً.. . وابن المقفع مؤلف (الأدب الصغير والأدب الكبير) ومترجم (كليلة ودمنة) في الحكمة، لم يكن حكيماً بل أحمق، كان يسخر من سفيان بن معاوية بن المهلب لكبر أنفه، وإذا رآه قال: السلام عليكما! وحين قال سفيان (ماندمتُ على صمتٍ قط) رد ابن المقفع (الخرس زين لمثلك فكيف تندم عليه) بل وسخر من أمه فحلف سفيان إنْ تمكّن أن يقطّعه إرباً، وحين ولي سفيان على البصرة اتهم ابن المقفع بالزندقة وقطعّه وصلة وصلة حتى مات. . ومحمد بن الزيات كان أديباً وشاعراً ووزيراً للمعتصم، وكان طاغية وضع فرناً من نار يحرق فيه خصومه فإذا طلبوا الرحمة قال (الرحمة خَوَرٌ في الطبيعة) وحين تغلّبوا عليه أرادوا إلقاءه في فرنه الناري فقال: الرحمة؟ فردوا عليه (ألستَ تقول الرحمة خور في الطبيعة)؟!