لم يكن من السهل تتبع مسيرة اللواء محمد صادق بيك الفوتوغرافية وكيف أصبح هذا الرحالة المصري أول من صور مناسك الحج في أسبقية تاريخية تطرز بماء من الذهب، لم يسبقه لها أي من المستشرقين الرحالة الذين لم يستطيعوا توثيق مكةوالمدينة إلا بعد خمس سنوات من تصوير محمد صادق. بدأت قصة توثيق المصور الفوتوغرافي محمد صادق للحرمين ومناسك الحج عام 1880م عندما كان لواءً بالجيش المصري وخلال بعثته إلى باريس اندهش من فن التصوير الفوتوغرافي الذي كان يشهد حينها قفزات نوعية في التقاط ومعالجة الصور عبر جهاز "الكاميرا" الذي كان حديثاً في ذلك الوقت. أدت دهشته هذه إلى افتتانه بالكاميرا، وما كان منه إلا الطلب بإدخال هذه الآلة ضمن تحديث معدات الجيش المصري وتطويره، وحقق مبتغاه حتى بدأ بدراسة التصوير في باريس ثم قام بممارسته وأتقنه وكان من المبدعين في التصوير والمعالجة. سبق لمحمد صادق بيك زيارة مكةوالمدينة مرتين قبل أن يبدأ التصوير، وفي ثالث زيارة لمكةالمكرمة عام 1880م، أحضر معه آلة التصوير وبدأ بتوثيق مكةوالمدينةالمنورة ومناسك الحج كأول مصور يتشرف بهذا العمل. وبعد عودته بدأ بنشر أول أعماله الفوتوغرافية التي وجدت إقبالاً وانتشاراً في المجلات العربية والأوروبية. أسبقيته بتصوير الأماكن المقدسة وموهبته بالتصوير جرى الاعتراف بها علناً حينما منح شهادة تقدير وميدالية ذهبية في أوروبا عام 1881م، أما في عام 1887م فقد تم تكريمه بميدالية ذهبية من محمد باشا. ويقول محمد صادق إنه منح ميدالية ذهبية من الدرجة الأولى عام 1881 عن هذا العمل الرائد، مضيفاً "وقد تيسر لي في سفري سنة 1279ه أعني سنة 1880م أخذ المناظر المقدسة بالبلدين المشرفتين بواسطة الآله الفوتوغرافية حيث لم يسبق لأحد غيري ومنحت بسبب ذلك بمداليا من الذهب ومن الدرجة الأولى بمعرض فينا سنة 1881م". ويقول صادق عن تجربته في التقاط صور للمدينة المنورة مؤكداً ريادته لتصوير الحرم النبوي الشريف من الداخل: "أخذت صور المدينةالمنورة بواسطة الآلة الشعاعية المسماة بالفوتوغرافية مع قبة المقام الشريف، وأما منظر القبة الشريفة فقد أخذته من داخل الحرم بالآلة المذكورة أيضاً، وما سبقني أحد لأخذ هذه الصور بهذه الآلة أصلاً". وعن المسجد المكي والكعبة يقول: "وقد تيسر لي في هذه الأيام أخذ صور المسجد المكي والكعبة بالفوتوغرافيا، وأخذ صور مسطحة على قدر الإمكان مع كثرة الازدحام وعدم الفراغ"، وأيضاً يقول: "وقد تيسر لي تصوير مسطح الحرم بالبيان وأخذ صورة من جملة جهات مع ما حوله من البيوت بواسطة آلة الفوتوغرافيا". توفي محمد صادق بيك عام 1902 بعد حياة امتدت لثمانين عاماً حافلة بالإنجازات العلمية، وأهدى للعالم ولأمته الإسلامية سجلاً وافياً عن الأماكن المقدسة قبل 137 عاماً. *مصوّر فوتوغرافي محمد صادق