الفقيه القاضي الواعظ الشيخ سليمان بن عبدالرحمن بن عبدالله بن حمدان الحنبلي النجدي، ولد عام 1322ه، وحفظ القرآن، وطلب العلم على طائفة من علماء عصره المشايخ منهم الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ، والشيخ المؤرخ إبراهيم بن صالح بن عيسى، والشيخ الفقيه حمد بن فارس، الذي يقول عنه الشيخ سليمان: «لما قدمت الرياض قرأت عليه جملة من كتاب «الروض المربع شرح زاد المستقنع» و»ملحمة الإعراب»، وبعض «ألفية ابن مالك» وبعض «الرحبية». وللشيخ سليمان بن حمدان أعماله المعتبرة وجهوده المشكورة، وضعته في مكانة تليق به، حتى أنك تجده مدرجاً في كثير من كتب السير والتراجم، ولا يخلو كتاب عن أعلام القضاء من اسمه، رحمه الله. وتولى الشيخ سليمان بن حمدان، القضاء في المحكمة المستعجلة في الطائف، وكان إمامًا وخطيبًا لمسجد ابن عباس رضي الله عنهما في الطائف، كما تولى القضاء في المدينةالمنورة، وكان إمامًا وخطيبًا للمسجد النبوي، ومدرسًا فيه، ثم نقل إلى مكة بعدها قاضيًا في المحكمة المستعجلة، وعضوًا في رئاسة القضاء، كما تولى القضاء بالمجمعة عام 1364ه، حتى أحيل إلى التقاعد عام 1369ه، ثم أقام باقي حياته في مكةالمكرمة، وتولى التدريس في الحرم المكي الشريف، وكان يجيب على أسئلة المستفتين التي كانت تحال عليه من رئيس القضاة، وكان -رحمه الله- يعنى بجمع الكتب ونسخها حتى صار عنده مكتبة ضخمة قيمة حوت نفائس الكتب المطبوعة والمخطوطة. بنى نهجاً عصرياً في التدريس وكان مثالاً للعدل والنزاهة في المناصب التي تولاّها علماء تتلمذ على يديهم طلب الشيخ سليمان بن حمدان العلم عند الشيخ سعد بن حمد بن عتيق، وهو من قال الشيخ سليمان عنه في كتاب "تراجم لمتأخري الحنابلة" ص 108: "قرأت عليه قطعة من جامع أبي عيسى الترمذي، وقطعة من شرح زاد المستقنع، وكنت أذهب معه غالباً بعد الدرس إلى بيته لمراجعة بعض المسائل"، والشيخ سليمان بن سحمان، وعنه قال الشيخ سليمان: "لازمته مدة، وقرأت عليه (القصيدة النونية) في السنة لابن القيم قراءة بحث، وكان يوضح ما تضمنته من المباحث أتم توضيح، ويكشف ما فيها من الإشكالات"، والشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العنقري قاضي سدير، قال الشيخ سليمان في ترجمته "لازمته ليلًا ونهارًا ملازمة تامة مدة طويلة، لا تقل عن خمس عشرة سنة، وقرأت عليه جملة من الكتب في فنون عديدة، وكنت أسهر عنده في القراءة والبحث إلى منتصف الليل"، والشيخ عبدالستار بن عبدالوهاب الدهلوي ثم المكي، أجازه برواية "كتاب التوحيد" عنه، كما أجازه بسائر مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله. والشيخ عبدالله بن عبدالوهاب بن زاحم، والشيخ عبدالله بن بليهد، ويلاحظ أن الكثير من شيوخ الشيخ سليمان ممن تولوا القضاء. قاضياً وخطيبًا تولى الشيخ سليمان بن حمدان، القضاء في المحكمة المستعجلة في الطائف، وكان إمامًا وخطيبًا لمسجد ابن عباس رضي الله عنهما في الطائف، كما تولى القضاء في المدينةالمنورة، وكان إمامًا وخطيبًا للمسجد النبوي، ومدرسًا فيه، ثم نقل إلى مكة بعدها قاضيًا في المحكمة المستعجلة، وعضوًا في رئاسة القضاء، وتولى رحمه الله، القضاء بالمجمعة عام 1364ه، حتى أحيل إلى التقاعد عام 1369ه، ثم أقام باقي حياته في مكةالمكرمة، وتولى التدريس في الحرم المكي الشريف، وكان يجيب رحمه الله، على أسئلة المستفتين التي كانت تحال عليه من رئيس القضاة. وذكره سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، في كتابه "تحفة الإخوان بتراجم بعض الأعيان" ص 62 "الشيخ سليمان بن حمدان توفي في تاريخ 22/8/1397ه، وكان ذا علم وغيرة، وقد تولى التدريس في المسجد الحرام وفي الطائف، وتولى القضاء أيضًا. شديدًا على أهل الخرافة والبدع كان الشيخ سليمان رحمه الله شديداً على القبورية، وأهل الخرافة والبدع، قويًا في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم، حتى أنه عندما كان قاضياً في المدينة النبوية جمع بعض أصحابه وطلابه ذات يوم بعد صلاة العشاء، وأغلق أبواب المسجد النبوي، ثم أزال الكتابات الشركية التي كانت في المسجد، كما رد الشيخ على المبتدعة وكل من يتعرض لجناب التوحيد، حتى صار ركنًا ركيناً للعقيدة السلفية في المسجد الحرام يدافع عنها ويحب أهلها. وترجم المحقق عبدالإله الشايع لسيرة الشيخ بن حمدان وكان مما ذكره عنه أنه كان "قنوعًا من الدنيا، معتزل الناس من بيته للحرم ومن الحرم لبيته، مكباً على العلم والتدريس منقطعًا للعبادة، كثير التلاوة لكتاب الله، وكثير التطوع بالعبادات، وغالب صلاته في الحرم الشريف خلف الإمام، وكان يحرص على أداء السنة في بيته، وكان إذا قنت يبكي عند الدعاء، لا يملك نفسه" مضيفًا أنه "كان غني النفس لا يلتفت إلى حطام الدنيا ولا يأخذ من أحد شيئاً، وكان يقضي أكثر أوقاته في القراءة والاطلاع، لقد كان بقية السلف الصالح في علمه وسلوكه وتعامله". طلب العلم في الحجاز ويقول عنه محمد بن عثمان قاضي عنيزة في كتابه "روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد": إن الشيخ سليمان رحل إلى الحجاز فقرأ على علمائه، والوافدين إليه من الهند والشام ومصر، وأجيز في الرياضومكة بسند متصل، وكان آية في التوحيد والعقائد والحديث وحدث نزاع بينه وبين أهالي المجمعة بسبب حدته فقد كان صداعاً بكلمة الحق لا يخاف في الله لومة لائم مما سبب عليه المشاكل، ثم آثر العافية فأحيل للمعاش التقاعدي عام 1369ه ورغب المجاورة في مكة وتجرد لنفع الخلق افتاءً وتدريساً وإرشاداً". ويضيف ابن عثمان أن للشيخ ردودًا، فمنها رده على يحيى المعلمي حول تنحية مقام إبراهيم، وقد تناول في رده هذا غيره، مما أحدث الضجة، وقامت دار الافتاء بالرد عليه، وكان ينكر دوران الأرض، ويرى أنها ثابتة لا تدور على محورها كما انتدبته الحكومة مراراً للإرشاد، فكان داعية خير ورشد، ولكلامه تأثير ووقع في القلوب، كما كان نديماً مرحاً، لا يمل مجلسه، ومجالسه مجالس علم وبحث شيقة، وبعد موته -رحمه الله- حزن الناس لفقده ورُثي برثيات رقيقة. التدريس بطريقة مختلفة وتبنى الشيخ سليمان بن حمدان أسلوبًا وطريقة عصرية في التدريس في الحرم مقابل الركن الشامي بالبطحاء (الحصوة) أمام المطاف، فقد كان يفتتح الدرس بخطبة الحاجة، وربما استعان بالله وحمده، وصلى على رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم يبدأ بذكر الآيات والأحاديث في الباب، ويقوم بشرحها شرحاً وافيًا ثم يقرأ الباب، وكان يحضر درسه طلاب مختلفون منهم المستمع ومنهم المنتظم الذي يحضر معه كتابه وكان الشيخ واضحًا في أسلوبه، صوته عالٍ ويتحدث بلغة فصيحة عربية، ولم يدرس بالعامية، وكان درسه مستمرًا طوال الأيام حتى يوم الجمعة، فلم يكن يبخل بعلمه ولا بكتبه، وذكر عبدالله الطريقي في "معجم مصنفات الحنابلة" عن الشيخ شيئًا مثل ذلك. مثال العدل والنزاهة وتناول الشيخ عبدالله آل بسام في كتابه "علماء نجد خلال ثمانية قرون" الشيخ سليمان بن حمدان، وقال عنه: إنه أخذ عن مشايخه كل منهم بتخصصه، فدرس التوحيد والتفسير والحديث والفقه والنحو وأصول هذه العلوم وغيرها، حتى أدرك، وعد من كبار علماء بلدته وحصل له من العلماء الذين قرأ عليهم أو باحثهم إجازات علمية متصلة السند على عادة علماء الحديث. وأضاف آل بسام أن الشيخ سليمان كان في كل المناصب التي تولاها مثال العدل والنزاهة والعفة والزهد والورع، وكان من العلماء المطلعين في العلوم الشرعية والعربية، وله نشاط في التدريس والوعظ والتأليف. وزاد آل بسام أنه كان يتحلى بحسن السلوك إلى الله في دينه واستقامته وورعه وزهده، وكان صريحاً ما سبب لك كثيراً من الصعاب والمشاكل، كما كان محصوله العلمي طيبًا، فله حظ وإدراك في العلوم الشرعية وعنده من العلوم العربية ما يقوم به لسانه ويعدل قلمه وحظه من علم الأصول، أكثر من علمه بالفروع، وله مؤلفات على قدر تحصيله العلمي وهي إلى النقول من كلام أهل العلم أقرب منها إلى الإبداع. أبرز تلاميذه ومن أجازهم كان له العديد من الطلاب، الذين يحرصون على حضور دروسه، كما أن هناك الكثير من طلاب العلم الذين استجازوه، فأجازهم ومنهم: الشيخ صالح بن محمد الزغيبي، وكان كفيف البصر، الشيخ إبراهيم المحمد البسام، الشيخ عبدالمحسن بن محمد المانع، الشيخ محمد الحصان، الشيخ عبدالله خياط، الشيخ حمود بن عبدالله التويجري، الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد، الشيخ يحيى بن الشيخ عثمان بن الحسين عظيم آبادي المكي، الشيخ محمد بن عبدالله الأغاديني الصومالي، الشيخ ناجي بن محمد الحصيني المخلافي، الشيخ حماد الأنصاري، الشيخ محمد الشدي، الشيخ عبدالرحمن بن سعد العياف، الشيخ النسابة حمد بن إبراهيم الحقيل، الشيخ عبدالرحمن بن أحمد الدهش، وغيرهم. وتميز الشيخ سليمان -رحمه الله- بجودة الخط وحسنه، وكانت عنده عناية بنسخ الكتب، وجمع المخطوطات، وقد نسخ الكثير، وكان له الفضل بعد الله عز وجل في حفظ كثير من الكتب، منها "ذيل طبقات الحنابلة" لابن رجب، نسخه الشيخ سليمان في جزأين بتاريخ 9/10/1340ه، و"المغني، للإمام موفق الدين بن قدامة، "الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب أحمد"، ليوسف بن عبدالهادي، وقد حقق الكتاب على هذه النسخة الوحيدة التي بخط الشيخ، وغيرها من الكتب. كما نسخ الشيخ "الشرح الكبير" للإمام ابن أبي عمر، فقد كلفه شيخه الشيخ عبدالله العنقري بجمع نسخ هذين الكتابين مع بعض تلاميذ الشيخ عبدالله فقاموا بجمع أجزاء نسخ الكتابين من بلدان نجد وقراها، حتى اجتمع لدى الشيخ عبدالله العنقري نسخة كاملة من كل من هذين الكتابين، فأمر تلاميذه بإخراج نسخة من كل من هذين الكتابين، وكان للشيخ سليمان بن حمدان النصيب الأوفر من هذا العمل، وذلك لجمال خطه ولاطلاعه على الأحكام الشرعية، ولجلده في النسخ والمقابلة فلما كمل نسخ الكتابين بعثهما الشيخ عبدالله العنقري إلى الملك عبدالعزيز فأمر محمد رشيد رضا بطباعتهما باثني عشر مجلدًا وقد نسخ الشيخ سليمان كتاب المغني مراراً. مؤلفاته الشخصية ألف الشيخ العديد من الكتب نذكر منها "الأجوبة الحسان على أسئلة مرشد باكستان"، و"أدلة النصوص المصدقة في رد الأكاذيب الملفقة من أهل الإلحاد والزندقة"، "بيان الحجج والأدلة"، بحث في عدم الوصول إلى القمر، "تقريب المقاصد بترتيب الفوائد من تقرير القواعد وتحرير الفوائد"، ترتيب لقواعد ابن رجب على أبواب الفقه، "دلالة النصوص والإجماع على فرض القتال للكفر والدفاع" رسالة في أن الجهاد للقتال على الإسلام لا للدفاع، "الرسالة البيروتية"، "الدرة الثمينة في الفرائض"، منظومة له في الفرائض على المذهب، "تسهيل المطلب من الدرة الثمينة للطالب"، وكذلك مجموع يضم فتاوي وأشعارًا ورسائل عدة، وأغلب نقله في الفوائد الحديثية والألغاز الفقهية، والأسرار اللغوية وغيرها من عيون العلوم المختلفة، "ملاحظاتي حال مطالعاتي" طبع بتحقيق الشيخ سعد السعدان، "كشف النقاب عن مؤلفات الأصحاب"، "مختصر التحرير في أصول الفقه"، "تعليقات على شرح نونية ابن القيم" لابن عيسى، "كتاب في الفتاوى"، "مجموع في الفوائد المتعلقة بالعقائد"، وغيرها. وكان الشيخ سليمان بن حمدان، رحمه الله، يعنى بجمع الكتب ونسخها حتى صار عنده مكتبة ضخمة قيمة حوت نفائس الكتب المطبوعة والمخطوطة وقد آلت تلك المكتبة إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. زوجته وإخوته تزوج الشيخ سليمان ابنة عمه الجوهرة بنت محمد بن حمدان، رحمها الله تعالى، ولم يرزقا بذرية، وله من الإخوة اثنان عبدالعزيز، وأحمد، والشيخ سليمان أكبرهم، وأخواته خمس. وفاته توفي الشيخ سليمان، في الطائف، في 12 من شعبان عام 1397ه، حيث مسكنه الذي يصطاف فيه، أيام الصيف وقد توفي إثر سقوطه وهو يتوضأ، ووقع رحمه الله، على مؤخرة رأسه، فأرقد في مستشفى الأمير منصور، ثم مات بعد أسبوع، وصلى عليه في مسجد العزيزية، وأم المصلين الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ، ودفن في مقبرة الجفالي بالطائف رحمه الله رحمة واسعة. أقام ابن حمدان بقية حياته في مكة كان الناس لا يملّون مجالس ابن حمدان في ذلك الوقت اشتهر ابن حمدان بين الناس بالعدل والنزاهة تولى الشيخ سليمان التدريس في المسجد الحرام والإجابة على أسئلة المستفتين منصور العساف