يمثل الحي السكني أهم عنصر في تكوين القرى والمدن، وتعد جودة البيئة السكنية مؤشراً رئيسياً لمستوى جودة حياة السكان، ولقد كانت الأحياء التقليدية مفعمة بالحيوية والأنشطة المتنوعة والمتكاملة التي تحقق مستويات عالية من الأمان والسلامة والانتماء والخلط المجتمعي، إلا أن فترة الثمانينيات الميلادية أحدثت أنماطاً تخطيطية جديدة للأحياء السكنية انتهجت بشكل كبير نمط التخطيط الشبكي الذي يدعم سيطرة السيارة وأصبحت غالباً كل حركة داخل الحي السكني مقصورة على استخدام السيارة الخاصة، مما تسبب في تقليل حركة المشاة وعرض السكان لخطر الحوادث المرورية، وشجع حركة المرور العابر من خلال اعتماد الأشرطة التجارية التي تنتهك خصوصية الأحياء، وقلص من تواجد السكان في الفراغات العامة، وزاد من حالة العزلة المجتمعية داخل الحي السكني. نعم نحن مضطرون للاعتماد على السيارة الخاصة في تنقلاتنا بين أجزاء المدينة المختلفة نظراً لاتساع رقعة المدينة وتباعد أنشطتها المختلفة، لكن كم نتمنى وجود أنظمة عمرانية وتخطيطية تساعد في الحد من استخدام المركبات داخل الأحياء السكنية بإنشاء أحياء سكنية تشجع حركة المشاة بالحي في ممرات آمنة ومريحة لا تختلط بالطرقات أو المركبات تساعد في إيجاد الحياة السكنية التفاعلية الإيجابية بين السكان وبيئتهم المحيطة، وتوفر ترابطاً ايكولوجياً وفطرياً في العلاقات بين الأعمار والأجناس من حيث الاحتكاك والتعلم بين مختلف الفئات. ولعل من التجارب العالمية الناجحة والمميزة في وجود بيئة سكنية آمنة وهادئة خالية من المركبات قرية جيثورن Geythorn التي تقع في الجزء الشمالي الشرقي من هولندا وهي قرية ريفية سياحية مكتملة الخدمات، يسكنها مجموعة من المزارعين وتتميز القرية بعدم وجود سيارات، فهي لا تمتلك أي طرقات أو شوارع باستثناء شارع واحد فقط مخصص لركوب الدراجات وفيها حوالي خمسون جسراً من الخشب تمر فوق نحو ثمانية كيلومترات من القنوات المائية ويتنقل سكانها بالقوارب أو سيراً على الأقدام عبر الجسور الخشبية. إننا نتطلع من وزارة الشؤون البلدية والقروية وأمانات وبلديات المدن إيقاف اعتماد الأنماط التخطيطية التي تدعم وجود السيارة داخل الأحياء السكنية وننتظر رؤية أحياء سكنية أكثر حيوية تعزز جوانب الخصوصية السكنية وتساعد على حماية حركة المشاة من تعدي المركبات الخاصة. *متخصص في التخطيط العمراني والتنمية