سوف نعرض الجزء الأخير في هذه الحلقة لكتاب «إشكاليات السياسة القطرية.. نهاية مرحلة من العبث القطري بأمن الخليج « أعده عدد من الأكاديميين والباحثين في مركز المزماة للدراسات والبحوث بدولة الإمارت العربية المتحدة . تحت عنوان «أزمة العلاقات الإماراتيةالقطرية.. الخيارات الآمنة للقوة الناعمة في مواجهة الاندفاع الصلب العابر للإقليم» للكاتب والباحث الدكتور محمد خالد الشاكر الذي كتب شكل الاندفاع القطري في قيادة الثورات العربية، نقطة تحول حادة في تعاطي السياسة القطرية مع محيطها، بدءاً من بيتها الخليجي، فهي -أي قطر - لم تتوقف عند خروجها عن مسألة التنسيق مع جيرانها الخليجيين، إنما تعدته إلى التنسيق مع إيران، التهديد الأبرز لدول الخليج العربي، ثقافياً وسياسياً. «تنظيم الحمدين» تنازل لإيران عن مساحات واسعة من حقل الغاز المشترك حيث بدأت إيران باللعب علي وتر الاتجاه إلى قطر، كمدخل استراتيجي لها فى إحداث شرخ داخل البيت الخليجي، فتزايدت العلاقات الإيرانية - القطرية، التي بدأت منذ تنازل قطرلإيران في أوائل العام 2010 عن مساحات واسعة من حقل الغاز المشترك، بالإضافة إلي التبريرات التي يسوقها الإعلام القطري حول أحقية إيران في الجزر الإماراتيةالمحتلة، والدعم القطري اللا محدود لحلفاء إيران في لبنان واليمن، وانتهاءً بالزيارة التي قام بها وزير خارجية قطر إلى إيران في أواخر فبراير 2014، التي رأت فيها الأوساط الخليجية اتفاقاً علي دعم حركات الإسلام السياسي المتطرف، بشقيه الشيعي والسني، في معادلة سياسية تترك الكثير من التساؤلات علي صعيد سياسات البلدين (قطروإيران). وبين الكتاب تبلور الاختلاف الإماراتيالقطري، مع بروز الدور القطري الإقليمي والدولي في الثورات العربية، فقد أدت السياسات القطرية الجموحة في التعاطي مع هذه الثورات، إلى تحويل هذه الثورات إلى صراع إقليمي ودولي،أصبح يهدد في تداعياته كامل المنطقة، وفي مقدمتها دول الخليج العربي، لا سيما مع تنامي الخلاف السعودي - القطري بشان الحالة المصرية، التي دعمتها وساندتها دولة الإمارات العربية، لذلك التقى موقف الإمارت مع الموقف السعودي الذى نظر إلى مجمل أحداث الثورات العربية على أنها تحد سياسي كبير، يشبه في تداعياته نسق التحديات التاريخية، التي جاءت بعد الثورة الإيرانية، التي واجهتها المملكة بالحيطة والحذر. الإمارات والسياسات القطرية وأشار الكتاب إلى أنه بالإضافة لتجاهل قطر قضية الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى)، تجاوزت السياسية القطرية فى علاقتها مع دولة الإمارات العربية المتحدة، محددات الأمن القومي العربي والخليجي، بالاتجاه نحو سياسات إقليمية مفتوحة علي جميع الاحتمالات، تقوم تارة على التنسيق مع القوي الإقليمية خارج البيت الخليحي والعربي، وتارة أخرى على التشبيك العابر للإقليم ككل، من خلال سياسة جمع المتناقضات التي وضعت السياسة الإماراتية أمام إشكالية الدور القطري، الذي لم يتوقف في علاقته مع القوى الإقليمية عند حدود التهديد الأيدلوجي وحسب، إنما تعداه إلى التهديد الاقتصادي كحامل أساس للأمن القومي الإماراتي، بالإضافة إلى أن العلاقات القطرية مع إيران شكلت فرصة إيرانية لتحقيق معادلة مزدوجة المنافع علي الصعيدين السياسي والاقتصادي، سواء لجهة تقليص الدور السياسي للتحالف الخليجي الثلاثي الإماراتي- السعودي- البحريني، فلا محيطهم الإقليمي، أو لجهة -وهو الأهم- الضغط على الدور المركزي الاتقصادي لدولة الإمارات العربية المتحدة فى محيطها الإقليمي والخليجي أيضاً وعليه يأتي السلوك السياسي القطري، في إطار يخدم السياسة الإيرانية ومخططاتها لتفتيت المنظومة الخليجية، وبخاصة أن مؤشرات عديدة في هذا الاتجاه ظهرت علي لسان العديد من المسؤولين والمفكرين الاستراتيجين الإيرانين، الذين افتضروا توقعات بناء على المسار المنتظم والمتصاعد للعلاقات الإيرانيةالقطرية، مما دفع خبراء إيرانين منذ بداية العام 2014 إلى التكهن المسبق ب»ميل قطر وتوجهها إلى إيران في المستقبل، وربما خروجها من مجلس التعاون لدول الخليج العربي». الأدوار الوظيفية لقناة الجزيرة وتناول الجزء الأخير من الكتاب تحت عنوان «الأدوار الوظيفية لقناة الجزيرة» موضحة انه مما لاشك فيه بأن ضعف فكر في لعب دور عسكري ضخم في المنطقة بسبب صغر حجمها وقلة عدد سكانها،استطاعت أن تعوضه عبر وسائل أخرى أكثر براعة، فما تهيأ لها من إمكانات مادية ضخمة، استطاعت أن توجهها نحو التميز في الإعلام. ولا يقتصر الإعلام على القنوات المرئية فقط، إنما أيضا القنوات المسموعة والمقروءة، وفي هذا المجال أثبتت قطر تفوق أداتها الإعلامية على العسكرية في اقتحام حدود أي دولة وتمرير سياساتها، وذلك بقوة الكلمة، وكان إطلاق قناة «الجزيرة» الفضائية من بين مشاريع قطر الأكثر تأثيراً في العام 1996، حيث تعاقدت قناة «الجزيرة» مع العديد من الصحافيين الذين تدربوا في «بي بي سي». وساهمت «الجزيرة» في تشكيل رؤية إعلامية جديدة كسرت من خلالها القيود الرسمية التي كانت تحيط بالإعلام، ولهذا فإن أول من هاجمها هو الإعلام الرسمي ، بل كان له دور في تعميق ونشر الإشائعات حول مصداقية هذه القناة من حيث التمويل الضخم وغير الطبيعي «للجزيرة» والحرفية الإعلامية العالية لدى كادر القناة والذين في أغلبهم كانوا ضمن العاملين في هئية الإذاعة البريطانية «بي بي سي» وتمتعها بهامش الحرية غير المسبوق وماتقو به من زعزعة الثقة بين الشعوب والحكام. كما شكلت قناة الجزيرة حالة استثنائية في العالم العربي على الرغم من الخلاف والاختلاف حولها، فهي مشروع يحمل في جوانبه غموضاً كبيراً يكتنفه حتى الان، إّذا أنها جمعت المتناقضات من الاتهامات التي توجه إليها، فالقوميون يتهمونها بالعمالة الأمريكية حيناً والإسرائيلية حينا آخر، وأمريكا تتهمها بأنها تثير مشاعر العداء والبغض، وإسرائيل تتهمها بتأجيج حماس الانتحارين، كما واجهت أثناء مسيرة عملها عدداً من الإشكالات والتصادمات مع الحكومات العربية. وأوضح الكتاب أن وثاق «ويكليليكس» كشفت أن قطر بدأت منذ مدة ليست بالقصية، في استغلال القوة إعلامية «للجزيرة « سياسياً وإعلامياً كوسيلة للضغط السياسي والإعلامي إزاء محيطها العربي والإسلامي والدولي، والأمر نفسه أكدت عليه صحيفة «ذي غارديان « البريطانية في معرض تعليقها علي تلك الوثائق ،إذ أفادت ان قطر تستخدم قناة «الجزيرة» الفضائية كأداة مساومة في مفاوضاتها مع بعض الدول، وذلك في مواجهة الاستقلالية، التي مافتئت تعلنها القناة، حيث يعرض المسؤولون القطريون على زعماء عرب وأجانب إمكانية وقف بث تقارير ومواد إعلامية نقدية تتعلق بهم وببلدانهم مقابل «تنازلات سياسية» كبيرة وهو ما يتنافي كلياً مع ما تقوله القناة عن نفسها بأنها مستقلة تحريرياً، رغم أنها مدعومة من الحكومة القطرية. وبين الكتاب أن الجولة الخليجية التي قام بها أمير قطر الشيخ تميم في أكتوبر 2013 إلى كل من الإمارات والكويت والبحرين وسلطنة عمان، وكذلك زيارته السابقة الى المملكة العربية السعودية، في جسر حدة لخلاف، بسبب عدم التزام قطر بالتعهد الخطي وبالشروط الموقع عليها من قبلها في الرياض بعد قمة المنامة 2012، حيث لم تلحظ هذه الدول أي تغيير في الأداء الإعلامي لقناة «الجزيرة» التي ماتزال تضع ثقلها خلف جماعة الإخوان المسلمين والمعارضين للسلطة الجديدة في مصر، مما يعكس أن قطر ماتزال تراهن على ورقة الإخوان المسلمين، رغم تبدد فرص عودتهم إلى المشهد السياسي المصري مرة أخرى. واختتم التقرير بالكتاب الذى استعرضناه على شكل ثلاث حلقات بتوضيح أن أهم مايثير الغضب الخليجي من «الجزيرة» أنها تمثل جبهة إعلامية معارضة لرغبة الشارع المصري الذي أطاح بالإخوان المسلمين في ثورة مليونية، كما أنها وظفت المال السياسي وشركات العلاقات العامة في الولاياتالمتحدة والغرب للنيل من مصالح المملكة والإمارات والعمل على دعم كل ما يضر بمصالح جيرانها، وما تزال تناقض المواقف الخليجية وتنتهج منهجاً معارضاً لمواقف الدول الخليجية المستظلة باتفاقيات أمنية ودفاعية موحدة.