لا يزال الحزن يلف بيوت أهل الخليج بيتاً، بيتاً، من الكويت إلى مسقط مروراً بالرياض، والخليجيون يواسون أنفسهم بالرسائل وبفيديوهات مشاهد من أحاديث وأعمال فقيد الفن الخليجي الفنان الكبير حسين عبدالرضا. الرحيل الفاجع، لم تخففه تلك الأنباء التي جاءت من لندن قبل يومين وتطلب التضرع والدعاء بالشفاء العاجل لأبي عدنان. الإنذار المبكر، لم يخفف هول الصدمة، ولم يقلل نبرة الحزن التي جمعت الخليجيين والكثير من العرب، على التحسّر لرحيل الفنان الكويتي القدير والمحبوب. ولكن كيف جاء كل هذا الاتفاق بين جماهير الفن الخليجي، في زمن يصعب الاتفاق فيه على شخصية واحدة. ولماذا يتفق الجميع على وصف الراحل بعملاق الفن الخليجي؟ إن المتتبع لسلوك وفكر ومسيرة حسين عبدالرضا المسرحية والإبداعية، سيلاحظ أنه خلقَ لنفسه شخصية وهوية خاصة، تقوم في الأساس على الانتماء للفن كفضاء جامع يعبر فيه باسم الإنسان، فوق كل أشكال الانتماءات البدائية أو الضيقة من المذاهب الدينية إلى السياسة وانحيازاتها العديدة. إذ يصعب إحالة حسين عبدالرضا، إلى أي مذهب ديني وهو الذي لم يخدم في حياته سوى خطاب الفن ولم ينشر سوى الضحكة والفرح. فالفن بالنسبة لحسين عبدالرضا، هو بالضرورة فن كبير بحجم الأوطان. ما أكثر الفنانين الذين سقطوا مع الأزمات، لتورطهم بالانحيازات المذهبية والسياسية وبقي عبدالرضا عملاقاً، شامخاً، حتى النفس الأخير. ذلك لأنه رفض استغلال الفن بما يتعارض وقناعاته، وهو المؤمن باتجاه الفن للفن وللإنسان. لذا سنجد أن الثيمة والسمة العامة لمسرحياته، هي عدم استغلال القضايا الخدمية والسياسية "مسرحياً أو درامياً" لصالح ترويج العمل الفني. فمنذ "باي باي لندن" التي سجلت نجوميته المطلقة في سماء الخليج العربي، إلى مسرحية "مراهق في الخمسين" وهو يشتغل على كوميديا مصبوغة بروح حسين عبدالرضا، حتى عندما قدم مسرحيات ذات صبغة سياسية، كمسرحية "سيف العرب"، فقد قدمها في إطار وطني واجتماعي، إنساني، يصور مأساة الغزو العراقي للكويت من الداخل. والملفت في هذا العمل أن تجسيد حسين عبدالرضا لشخصية صدام حسين، جاء بشكل حضاري وراقٍ جداً، مصوراً كيف على الفنان أن يكون عندما يختلف حتى مع المحتل لأرضه. هذه هي أخلاق "أبو عدنان" ولهذه أعماله، ستبقى طويلاً، ودليلاً على أن من قادها وقدمها فنان خالد، لا تنساه ذاكرة وقلوب جمهوره في عموم بلدان الخليج العربي.