أعلن نائب خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- عن إطلاق مشروع البحر الأحمر، والذي يهدف لوضع المملكة على خريطة السياحة العالمية، وجذب الاستثمار والإنفاق المحلي والخارجي، وتعزيز اقتصاديات ما بعد النفط ضمن رؤية المملكة العربية السعودية 2030، ومما يلفت في إعلان المشروع التأكيد على ضمان وسلامة النظام البيئي، والمحافظة على المشروع بقوانين صارمة وصديقة للبيئة، ليكون على رأس قوائم أفضل الوجهات الممكنة في السياحة البيئية. إن التأكيد على ضمان وسلامة البيئة في الإعلان أمر رائع ولذا فمن الضروري البدء من الآن في بعض الخطوات العملية لمواكبة طموحات قيادتنا الرشيدة بتحقيق هذا المشروع لأهدافه وتجنب بعض الإشكالات التي وقعت في مناطق أخرى سياحية عالمية. وسأضرب مثلاً بإحدى أفضل مناطق الشعب المرجانية في العالم والواقعة شمال شرق أستراليا حيث يقع الحيد المرجاني العظيم والمصنف كأحد عجائب الدنيا الطبيعية. هذه المنطقة تحتوي جمالاً طبيعياً أخاذاً وقد أدرجتها اليونسكو على قائمة التراث العالمي، وقد أدى التوسع في السياحة فيها في العقود الماضية لتوفير عشرات الآلاف من الوظائف والحصول على بلايين الدولارات سنوياً ولكن في المقابل تعرضت هذه المنطقة تدريجياً لمشاكل بيئية متراكمة بدأ يظهر أثرها في السنوات الأخيرة حيث اختفت أجزاء كبيرة من الشعب المرجانية وتعرض بعضها لعمليات ابيضاض بالإضافة إلى اختلال التوازن البيئي وفقد بعض أنواع الأحياء البحرية والنباتية المتميزة، ويعزى ذلك لأسباب منها التغير المناخي عموماً بالإضافة إلى التلوث الصناعي وتلوث المحيط بوقود القوارب والسفن وبقايا الكريمات الواقية من الشمس في مناطق السباحة وغيرها من مصادر التلوث. لقد حصل هذا التلوث مع وجود قوانين بيئية صارمة وثقافة مجتمعية عالية في موضوعات البيئة في أستراليا الدولة التي تضع ضرائب بيئية على المصانع وتحد من استخدام منتجات البلاستيك وتفحص المسافرين القادمين وأغراضهم بدقة للتحقق من عدم حملهم لأي أغذية أو مواد قد تؤثر على سلامة البيئة، وعموماً فإن الحكومة الأسترالية تحاول الآن معالجة التلوث والحد من آثاره وأطلقت قبل عامين خطة للاستدامة طويلة الأجل تمتد 35 عاماً (ريف 2050) لحماية منطقة الحيد ومعالجة الآثار التراكمية للتلوث ومواجهة التهديدات البيئية المستمرة وخصصت ثمانية مليارات (24 مليار ريال) خلال 10 سنوات لتنفيذ إجراءات الحماية وإعادة التأهيل. إن الوقاية خير من العلاج وبالنسبة لمشروع البحر الأحمر فلا بد أن تكون سلامة البيئة على صدارة الأولويات، وإن المحافظة على المشروع بالقوانين الصارمة كما ورد في إعلان المشروع ومع أهميتها إلا إنها قد لا تكفي إذا لم تتوفر لها البيئة المناسبة للتطبيق والكوادر البشرية المؤهلة وقبل ذلك الإصلاح المؤسسي الشامل على مستوى الدولة في جميع المجالات ذات العلاقة بالبيئة. إن مما يسهم في تحقيق المشروع لأهدافه رفع الوعي البيئي ونشر الثقافة المجتمعية بأهمية المحافظة على البيئة ومكوناتها ومنع تلوثها وترشيد استخدام مواردها والتصدي للمخاطر التي قد تتعرض لها، ومن المهم أيضاً تنظيم عمل الجهات المرتبطة بالبيئة والتنسيق بينها ومنع التداخل أو دمجها معاً مع ضرورة توفير كافة الإمكانات والموارد في مجال حماية البيئة، وقد ورد في تقرير عام 1435/1436ه للهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة (وهو أحدث تقرير منشور في موقعها) بعض العوائق والتحديات التي تستحق الوقوف عندها ومنها نسبة العاملين في حماية البيئة والتي تعتبر منخفضة وأقل بكثير من المعدل العالمي حيث يبلغ عددهم 233 موظفاً فقط بالمقارنة بهولندا على سبيل المثال والتي لديها سبعة آلاف موظف. من الضروري أن تشارك الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة في برنامج التحول الوطني بفاعلية وأن يكون لها أهداف إستراتيجية ومستهدفات محددة كغيرها من الجهات والحقيقة أن هناك إجراءات طبقت في الدول المتقدمة لحماية البيئة ويستغرب التأخير في تطبيقها في المملكة مثل فرز النفايات لإعادة التدوير ومثل الحد من استخدام المواد البلاستيكية والتي تستخدم للأسف بشكل مفرط جداً في المملكة وهي غير قابلة للتحلل وتهدد الصحة والبيئة ومثل مبادرات التشجير وكذلك برامج الحوافز والعقوبات على الشركات والمصانع بحسب مستوى التزامها بالمعايير البيئية. على وزارة التعليم مسؤولية كبيرة في تهيئة وإعداد المتخصصين في علوم وهندسة وإدارة البيئة في الجامعات، وهناك أيضاً مسؤولية أكبر في إدراج موضوعات التربية والتوعية البيئية في المناهج الدراسية وربطها بالواقع المحلي وغرس القيم والاتجاهات الإيجابية نحو البيئة والمحافظة عليها لدى النشء في سن مبكرة. وأخيراً فإن الإعلان عن هذا المشروع يؤكد الطموحات العالية والتي يجب أن تعمل جميع الجهات المعنية لأجل تحقيقها ومعرفة التحديات والعمل على مواجهتها ولا بد من تظافر الجهود لإصلاح مؤسسي شامل في مجال البيئة يبدأ بالتعليم والتوعية وسن الأنظمة والقوانين والاستفادة من التجارب الدولية ليس من أجل هذا المشروع فحسب بل للإسهام في تحقيق رؤية المملكة 2030 لبناء مجتمع حيوي وصحي فاعل وبيئة مزدهرة خالية من التلوث. أكاديمي - مؤلف كتاب النفط القادم