هذا العمل المنهجي القائم على توظيف الدين والشعارات الدينية أدى إلى تقوية هذه الأحزاب والتنظيمات ومكنها من المجتمعات التي تتواجد فيها، وفي نفس الوقت بعثت بصورة مشوهة عن الدين الإسلامي للمجتمعات غير الإسلامية وللرأي العام غير المسلم نتيجة لاستخدامها التطرف والإرهاب لتحقيق أجندتها.. ابتلي المسلمون بتصاعد حدة المتاجرين بدينهم الإسلامي من المسلمين مستخدمين شتى السبل والوسائل بغرض تحقيق أهدافهم الحزبية والطائفية والمذهبية والفئوية والعرقية. هكذا كانوا في عقود ماضية، وهكذا أصبحوا في عصرنا الحاضر، وما الفرق بين الماضي والحاضر إلا وسائل الإعلان والإعلام والقدرة على الوصول للرأي العام الإسلامي. هذا الابتلاء الكبير الذي أصاب المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي من قبل المتاجرين بدين الله بشتى السبل والوسائل أثر بشكل سلبي كبير جداً على البلاد الإسلامية وعلى المسلمين في كل مكان. هذه النتيجة السلبية المتمثلة بتشويه صورة الإسلام وحضارته الزاهية وسمعة المسلمين المسالمين جاءت كنتيجة طبيعية للأنظمة السياسية التي وظفت الدين واستغلته لخدمة أهدافها السياسية وللأحزاب المذهبية والطائفية والعرقية التي استخدمت الدين والشعارات الإسلامية لتحقيق أجندتها الهدامة والقفز على السلطة. هكذا تاجروا بدين الله وهكذا تاجروا بمشاعر المسلمين، وهكذا تعددت طرقهم ووسائلهم. هذا الابتلاء الكبير الذي أصاب المسلمين تعددت أشكاله وأدواته وخاصة في عصرنا الحاضر، ومن هذه الأشكال المُتاجرة بدين الله: أولاً: تنظيم الإخوان: منذ تأسيسه بمصر عام 1928م أطلق هذا التنظيم على نفسه اسم "الاخوان المسلمين". هذا التنظيم الحزبي سعى لاستخدام كلمة الإسلام في اسمه الرسمي وفي شعاراته لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الشعبية والسياسية. هذا التوظيف المتقدم لكلمة الإسلام مكنه من اكتساب شعبية جيدة في جمهورية مصر العربية بشكل خاص وفي بعض البلدان الإسلامية كنتيجة طبيعية لارتباط المسلمين بدينهم وبمن يرفع شعارات إسلامية. هذا الوضع الحزبي قد يكون طبيعياً إذا كان غرض هذا الحزب الوصول للسلطة السياسية بالطرق السياسية المعتادة وأولها الإعلان عن هذا الهدف الذي من أجله تأسس وهو الأمر الطبيعي لكل الأحزاب السياسية في الدول التي تتبنى التعددية الحزبية. ولكن ما حدث مع هذا التنظيم "الاخوان المسلمين" إنه استخدم كلمة الإسلام للحصول على الدعم الشعبي وتجيشه عاطفياً واستخدام كل السبل والوسائل التي تمكنه من تحقيق أهدافه السياسية. هذه السُبل والوسائل لم تكن لتفرق بين المشروع وغير المشروع في العمل السياسي، وإنما كانت تستخدم شعار "الإسلام" لتبرير تصرفاتها أمام الرأي العام وبأنه يخدم الدين الإسلامي. هذا الوضع أدى إلى إيهام الرأي العام الإسلامي بأن هذا التنظيم تنظيم إسلامي لأنه يرفع شعار "الاخوان المسلمين"، وبأن كل ما يقوم به وما يرفعه من شعارات يتطابق مع الدين الإسلامي في مقابل كل من يرفع شعارات حزبية وسياسية أخرى والذين تم توصيفهم بأنهم لا يمثلون الإسلام. فهنا وقعت المتاجرة بكلمة الإسلام بأن من لا يرفع شعار الإسلام فهو غير مهتم بالدين الإسلامي أو بأنه يحارب من يرفع شعار الإسلام في الوقت الذي كان فيه تنظيم الإخوان يستخدم سبلاً ووسائل تتنافى تماماً مع الدين الإسلامي الوسطي والداعي لحفظ الدماء والأنفس. ثانياً: النظام السياسي الإيراني: منذ أن وصل الخُميني للسلطة عام 1979م استخدم شعارات دينية للحصول على الشرعية الشعبية، فقام بتوظيف كلمة الدين الإسلامي في الاسم الجديد للدولة الإيرانية لتصبح "جمهورية إيران الإسلامية". هذه التسمية الجديدة التي أرادها الخُميني تعني إما أن دولة إيران وشعبها لم يكونوا مسلمين وبالتالي سوف يعمل الخُميني ونظامه الجديد على إعادة الدين الإسلامي للشعب الإيراني، وإما أن دولة إيران سوف تكون دولة إسلامية في جميع أنظمتها وقوانينها وتعاملاتها وطريقة حكمها وبعيدة تماماً عن الفساد والمفسدين، وإما أن الدين الإسلامي سوف يكون محددًا فقط باتباع المذهب الاثني عشري "الجعفري" فقط. إذا كانت تلك الخيارات لها ما لها وعليها ما عليها، فإن غرض الخُميني تجاوز تلك الخيارات بتوظيف كلمة الإسلام لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية على حساب التوجهات الحزبية والفكرية الأخرى التي قامت معه بالثورة ضد نظام الشاهنشاهية. فمن خلال توظيف شعار الإسلام تم إقصاء ذوي التوجهات الليبرالية والاشتراكية والقومية وغيرها كثير من التوجهات الفكرية والحزبية وهناك من تم اتهامه ومحاكمته واعتقاله، وهناك من تم إبعاده ونفيه، وهناك من تمكن من الخروج نحو المنافي. كل ذلك حدث تحت شعار الجمهورية الإسلامية والدعوة لإقامة نظام إسلامي تسيطر عليه فئة واحدة هم رجالات الدين الذين هم فقط يمثلون دين الله وغيرهم يجب أن يتبع مهما كان فكره ومكانته وتوجهاته. فكل من لا يرضى بتوجهات رجال الدين فهو خائن لدين الله وعميل لأعداء الدين الإسلامي. هكذا تمت المتاجرة بالدين الإسلامي، وهكذا تم إيهام الشعب الإيراني بكافة مكوناته، وهكذا تمكنوا من السلطة السياسية. وبسبب هذه المتاجرة بالدين الإسلامي تم تجهيل الشعب الإيراني فكرياً، وتم إفقاره بشكل كبير جداً على الرغم من توفر موارد اقتصادية هائلة، وتم إرهابه بالطروحات الفكرية أحادية التوجه، وتم عزله عن محيطه الجغرافي؛ وبسبب هذه المتاجرة بالدين الإسلامي تم تصدير الفوضى للمنطقة، وتم دعم وتمويل ورعاية الجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية في المنطقة، وتم عزل الدولة الإيرانية عن محيطها الجغرافي والإسلامي. ثالثاً: الأحزاب المتطرفة والتنظيمات الإرهابية.. للحصول على أكبر قدر من الأتباع والدعم الشعبي رفعت أحزاب متطرفة وتنظيمات إرهابية شعارات دينية مثل "تنظيم القاعدة" أو "قاعدة الجهاد"، و"حزب الله" في لبنان وفي غيره، و"أنصار الله" المعروفة بجماعة الحوثي في اليمن، و"أنصار الشريعة" في عدد من الدول العربية مثل ليبيا واليمن وتنظيم داعش "تنظيم الدولة الإسلامية"، و"فيلق القدس" أو"قوة القدس" التابعة للحرس الثوري الإيراني، وغيرها من أحزاب متطرفة وتنظيمات إرهابية. فجميع هذه الأحزاب المتطرفة والتنظيمات الإرهابية استخدمت أسماء وشعارات دينية إسلامية لكي تتمكن من تحقيق أهدافها أو أهداف من صنعها وأوجدها. فاستخدام شعارات إسلامية في مسميات تلك الأحزاب والتنظيمات مكنها من كسب تعاطف شعبي كبير، ومكنها من الحصول على موارد بشرية انضمت لها، ومكنها من الحصول على دعم مالي متواصل عن طريق المتبرعين الراغبين لخدمة دينهم من خلال هذه الأحزاب والتنظيمات التي ترفع شعارات دينية. وكنتيجة طبيعية للدعم الشعبي الكبير استطاعت هذه الأحزاب المتطرفة والتنظيمات الإرهابية أن تحقق الكثير من أجندتها التي من أجلها تأسست مستخدمة كل الوسائل غير المشروعة كالتطرف والإرهاب والعمل على هدم المجتمعات والسعي الحثيث للسيطرة على مقدرات الشعوب في الأماكن التي تتواجد فيها. هذا العمل المنهجي القائم على توظيف الدين والشعارات الدينية أدى إلى تقوية هذه الأحزاب والتنظيمات ومكنها من المجتمعات التي تتواجد فيها، وفي نفس الوقت بعثت بصورة مشوهة عن الدين الإسلامي للمجتمعات غير الإسلامية وللرأي العام غير المسلم نتيجة لاستخدامها التطرف والإرهاب لتحقيق أجندتها. هؤلاء الذين تاجروا بدين الله وبالشعارات الإسلامية عبروا عن مدى وهنهم وضعف حجتهم وخبثهم بتزويرهم للحقائق. فقد عملوا على تعويض ضعف حجتهم وعدم قدرتهم على الاقناع باستخدام الشعارات الدينية التي تؤثّر في الرأي العام الإسلامي المتطلع لعزة الإسلام والمسلمين. ولكن هل مازال الرأي العام الإسلامي يتأثر بالشعارات الدينية كما كان في الماضي، يظهر أن الرأي العام الإسلامي أصبح أكثر وعياً وأعمق فهماً لأنه أدرك أن من وظف الدين ورفع الشعارات الإسلامية واستغل تعاطف المسلمين هم أكثر من تعدى على مبادئ الدين وقيم الإسلام وهم من شوه صورته الزاهية، وأثّر على المسلمين في كل مكان حتى تم توصيفهم بالمتطرفين في المجتمعات غير الإسلامية. وفي الختام يمكن القول: إن الرأي العام الإسلامي أدرك حقيقة مهمة جداً خاصة خلال السنوات القليلة الماضية وهي بأن ليس كل من استخدم مسميات دينية يريد خدمة الدين، وليس كل من رفع شعارات إسلامية يسعى لخدمة الإسلام، وليس كل من تلبس باللباس الديني هو رجل من رجالات الدين. فالرأي العام الإسلامي الذي تم تضليله لعقود ماضية نتيجة لغياب المعلومة أصبح أكثر وعياً وأقدر على الحكم بنفسه بما يملكه من وسائل متقدمة يستطيع من خلالها التفريق بين حماة الدين الإسلامي الصحيح وبين من يستغل الدين ويوظفه لخدمة أجندته الحزبية والطائفية والمذهبية. فهل ما زالت بعض الأنظمة السياسية تنظر بدونية للرأي العام الإسلامي وتسعى لتضليله وقيادته للمجهول؟