الموقف التاريخي للملك سلمان في إعادة فتح أبواب المسجد الأقصى أمام المسلمين -بعد أسبوعين من منع قوات الاحتلال الإسرائيلي للمصلين من دخوله-؛ تأكيد على موقف المملكة الثابت تجاه القضية الفلسطينية، ووقوفها بجانب الشعب الفلسطيني، ومكانتها في خدمة الإسلام والمسلمين، والحفاظ على سلامة المقدسات الإسلامية. الملك سلمان في مواقفه، وتوجهاته، لم يكن ظاهرة صوتية في أوقات الأحداث والأزمات، بل كان ولا يزال صاحب أفعال مشهودة، وجهود مبذولة بوعي وحكمة وعقل رشيد، ويسعى على الدوام أن يتحدث العالم عن أفعاله وليس أقواله، ويتحمّل في سبيل ذلك الكثير من العمل والصبر لتحقيق أهدافه بلا ضجيج، أو تسلّق على الأزمات، أو تردد في اتخاذ القرارات. الإعلان الرسمي عن جهود الملك سلمان في أزمة الأقصى يقطع الطريق على المتاجرين بالقضية الفلسطينية من جانبين، الأول: أن المملكة لم تتخلَ عن واجباتها وثوابتها تجاه فلسطينالمحتلة، وثانياً: تحييد القضية الفلسطينية عن أزمات المنطقة، بما فيها حالياً الأزمة القطرية؛ فلا مجال لخلط أوراق، أو خطب شعبوية لتمرير عواطف مشحونة لكسب تأييد، أو تخفيف ضغط، كما كان يروّج له أمير قطر في خطابه الأخير. نحن في المملكة لا نزايد ولا نساوم ولا نناور في تحقيق السلام العادل والشامل للقضية الفلسطينية، وفقاً لمبادرة السلام العربية، ورؤية حل الدولتين، وقرارات الشرعية الدولية، وهو المبدأ الذي تسير عليه الدبلوماسية السعودية ولا تزال، وتسعى إلى تحقيقه مع دول عربية وإسلامية تشاركها همّ القضية، وحلها، وليس استغلالها لمشروعات سياسية، وأجندات إيديولوجية؛ بحثاً عن علاقات مشبوهة مع إسرائيل؛ ألم يقل رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم:"كلما شعرنا بالضغط من السعودية نلجأ لإسرائيل لتخفيف الضغط علينا". لقد راهن من افتعل أزمة الأقصى أنها ستخفف الضغط على حكومة قطر، ولكن لم يدرك عزمي بشارة ومن معه أن مواقف المملكة وثوابتها ومكانتها وعلاقاتها أكبر من حسابات المتاجرين بالقضية، والمتسلقين عليها، فالمبادئ لا تتجزأ، ولا تتغيّر، ولا تُمليها مصالح وقتية عن مصالح أكبر لتسويات أهم في القضية الفلسطينية، والنتيجة أن أبواب الأقصى مفتوحة، وقطر معزولة. تحرّكات الملك سلمان تجاه الأقصى كانت مهمة في توقيتها، ومثمرة في جهودها، ولقّنت المرتزقة درساً قاسياً من أن فلسطين ليست قضية فئة مأجورة، ولكنها قضية المسلمين الشرفاء جميعاً، ومثل ما فُتحت أبواب الأقصى أمام المسلمين سيفتح معها أبواب التفاوض مع إسرائيل، وحينها لن يكون هناك تاجر رخيص يتحدث بالنيابة عن المسلمين ومقدساتهم، أو يراهن على إسرائيل بمفرده.