لم يكن غريباً ما كشف عنه الديوان الملكي بالأمس؛ حيث أجرى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- خلال الأيام الماضية الاتصالات اللازمة بالعديد من زعماء دول العالم، لبذل مساعيهم لعدم إغلاق المسجد الأقصى في وجه المسلمين، وعدم منعهم من أداء فرائضهم وصلواتهم فيه، وإلغاء القيود المفروضة على الدخول للمسجد، وقد تكللت هذه الجهود -ولله الحمد- بالنجاح. وجاء موقف خادم الحرمين الشريفين ليسجل إلى جانب مواقف قادة المملكة الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، والتي تعد من الثوابت الرئيسة لسياسة المملكة منذ عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، وقدمت دعمها على كافة الأصعدة سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، إيماناً بأنّ ما تقوم به واجب تمليه العقيدة والضمير والانتماء للأمة العربية والإسلامية. وخلد الملك سلمان -حفظه الله- اسمه في قائمة الداعمين لحق الشعب الفلسطيني، موجهاً استمرار اللجنة الشعبية بالمملكة للقيام بأداء رسالتها الخيرية في دعم صمود الشعب الفلسطيني، مؤكّداً على ضرورة استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، واعتبارها شرطا لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني المشروعة والعادلة. وكانت بذرة مواقف المملكة الدور العسكري الذي لعبته في حرب 1948م، والاشتراك الفعلي في الحرب عن طريق الجيش النظامي والشعبي والمتطوعين، إلى جانب موقف المؤسس -طيب الله ثراه- الذي أكّده أثناء حديثه مع مجلة "لايف" مرافعاً ومدافعاً عن مسرى النبي -صلى الله عليه وسلم- والقبلة الأولى، في أول حديث عربي بالإعلام الغربي عن القضية، لتتوالى بعد ذلك المواقف الراسخة الثابتة من دعم القضية الفلسطينية، حيث تبذل المملكة جهوداً حثيثة للضغط على إسرائيل لإلزامها بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية، إلى جانب مطالبتها الدائمة للمجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف الاعتداءات والممارسات الإسرائيلية العدوانية والمتكررة ضد الشعب الفلسطيني. وبعد المؤسس عمل الأبناء بدون كلل أو تعب لمواصلة ما بدأه، فهذا الملك سعود -رحمه الله- يزور فلسطين في 1953م، مصلياً في المسجد الأقصى، وخلد له التاريخ خطابه في مجلس الشورى: "إننا مستعدون لإنقاذ فلسطين بأموالنا وأنفسنا متكلين على الله الذي نستمد منه العون وحده". رحل الملك سعود وحمل الملك فيصل -رحمهم الله- لواء الدفاع عن القضية، وهو الذي كان ينادي دائماً بحتمية وإظهار الوجود الفلسطيني ومده بكل وسائل الاستمرار، ولعبت المملكة في عهده دورًا بارزًا في تحقيق النصر العربي في حرب أكتوبر عام 1973م ضد إسرائيل. وليس غريباً بعد كل هذا الدعم أن يعتبر الملك خالد -رحمه الله- أن تحرير فلسطين قضية الإسلام والمسلمين الأولى، ويأمر بتقديم الغالي والنفيس لردع أي اعتداء على مقدسات المسلمين. ولا غرو أن يجعل الملك فهد -رحمه الله- القضية الفلسطينية أعلى قائمة اهتماماته، منطلقاً مشروع السلام الذي طرحه عام 1981م عندما كان وليًا للعهد، ويقدم كل ما يمكن لدعم الأقصى والمحافظة على القدس وتراثها العربي والإسلامي، ورعاية أسر شهداء الانتفاضة. وأتى الملك عبدالله بعد الفهد -رحمهما الله- ليقدم في 2011م مبادرته التاريخية لحل القضية الفلسطينية، لتكون حلا عادلا شاملاً إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، ليؤكّد ما بدأه المؤسس وسار عليه قادة المملكة؛ ثبات موقف المملكة الداعم لقضية الشعب الفلسطيني. اقتصادياً لم تدخر المملكة جهداً إلاّ وقدمته، منذ كشفها عن تبرع سخي في مؤتمر القمة العربية في الخرطوم عام (1967م)، كما التزمت المملكة في قمة بغداد عام (1978م) بتقديم دعم مالي سنوي للفلسطينيين قدرة (1,97,300,000)، وذلك لمدة عشر سنوات، وفي قمة الجزائر الطارئة (1987م) قررت المملكة تخصيص دعم شهري للانتفاضة الفلسطينية مقداره (6) ملايين دولار، كما قدمت المملكة في الانتفاضة الأولى (1987م) تبرعاً نقدياً لصندوق الانتفاضة الفلسطيني بمبلغ (1,433,000)، وقدمت مبلغ (2) مليون دولار للصليب الأحمر الدولي لشراء أدوية ومعدات طبية وأغذية للفلسطينيين. كما تعهدت المملكة بتمويل برنامج إنمائي عن طريق الصندوق السعودي للتنمية بلغ حجمه (300) مليون دولار يهتم بقطاعات الصحة والتعليم والإسكان تم الإعلان عنه في مؤتمرات الدول المانحة خلال الأعوام 94 - 95 - 97 - 1999م، بالإضافة إلى الإعفاءات الجمركية للسلع والمنتجات الفلسطينية. وبادرت المملكة في مؤتمر القمة العربي في القاهرة (2000م) باقتراح إنشاء صندوقين باسم صندوق "الأقصى" وصندوق "انتفاضة القدس" برأسمال قدره مليار دولار وتبرعت بمبلغ (200) مليون دولار لصندوق "الأقصى" الذي يبلغ رأسماله (800) مليون دولار، وتبرعت بمبلغ (50) مليون دولار لصندوق "انتفاضة القدس" الذي يبلغ رأسماله (200) مليون دولار. على صعيد آخر، اهتمت حكومة المملكة بمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، حيث قدمت المساعدات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين مباشرة أو عن طريق الوكالات والمنظمات الدولية التي تعنى بشؤون اللاجئين مثل الأنروا، ومنظمة اليونسكو، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والبنك الدولي، والبنك الإسلامي.