الدرعية رمز وطني تفتخر به المملكة العربية السعودية، وذلك نظراً لارتباطها بذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى.. وتقع محافظة الدرعية وسط وادي حنيفة وهي بموقعها تختزل أراضي هضبة نجد، وتتفق المصادر التاريخية على أن العام 850ه/1446م هو عام نشأتها على يد مانع بن ربيعة المريدي (الجد الثالث عشر لآل سعود)، ومرت البلدة منذ تاريخ نشأتها وحتى عام 1157ه/1744م، بتطورات سياسية مختلفة استطاعت خلالها الدرعية أن تحتل مركزاً بارزاً بين البلدان النجدية الأخرى وخاصة في منطقة العارض. وفي العام 1157ه/1744م بدأت مرحلة تاريخية جديدة للدرعية ولشبه الجزيرة العربية عموماً وذلك حين اتفق الإمام محمد بن سعود أمير الدرعية مع الشيخ محمد بن عبدالوهاب على نشر الدعوة السلفية وتمخض عن هذا الاتفاق ما سمي ب "اتفاق الدرعية" الذي كان إعلاناً بقيام الدولة السعودية الأولى. وقد أسهب بعض المؤرخين في وصف ما كانت عليه الدرعية عندما كانت حاضرة وقاعدة للدولة السعودية الأولى منهم على سبيل المثال عثمان بن عبدالله بن بشر مؤلف كتاب "عنوان المجد في تاريخ نجد" (حققه وعلق عليه عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ - الرياض، دارة الملك عبد العزيز 1402ه/1982م، ص ص 434-435). الذي أكد على أنه كان بالدرعية نشاط تجاري وصناعي مزدهر؛ حيث كانت تصدر الخيول والجمال والتمور وتستورد الأقمشة والحرير والأسلحة، كما كان بها حرفيون متخصصون، وكان الداخل في سوقها لا يفقد أحدا من أهل الأقطار الأخرى من اليمن وتهامة والحجاز وعمان والبحرين وفارس ومصر وبادية الشام وتركيا، وكانت لا تفتقد العملات الأجنبية في أسواقها من الريال الفرنسي، والبقشة والأحمر والمحمدي والزر والمشخص، يقول ابن بشر: كانت هذه البلدة أقوى البلاد، وقوة أهلها وكثرة رجالهم وأموالهم لا يحصيه التعداد، فلو ذهبت أعدد أحوالهم وإقبالهم فيها وإدبارهم في كتايب الخيل والنجايب العمانيات وما يدخل على أهلها من أحمال الأموال من سائر الأجناس التي لهم مع المسافرين منهم، ومن أهل الأقطار، لم يسعه كتاب ولرأيت العجب العجاب، وكان الداخل في موسمها لا يفقد أحداً من أهل الآفاق من اليمن وتهامة والحجار وعمان والبحرين وبادية الشام والعراق وأناس من حاضرتهم، إلى غير ذلك من أهل الآفاق ممن يطول عده، هذا داخل فيها وهذا خارج منها، وهذا مستوطن فيها. من أهم معالم هذه المدينة الثرية حي الطريف الذي يعتبر الحي التاريخي ومن أبرز معالم الدرعية الأثرية، لاحتضانه أهم المباني الأثرية والقصور والمعالم التاريخية، حيث ضم معظم المباني الإدارية في عهد الدولة السعودية الأولى، كقصر سلوى الذي تم إنشاؤه أواخر القرن الثاني عشر الهجري، وكانت تدار منه شؤون الدولة السعودية الأولى، وكذلك جامع الإمام محمد بن سعود، وقصر سعد بن سعود، وقصر ناصر بن سعود، وقصر الضيافة التقليدي، ويحيط بحي الطريف سور كبير وأبراج كانت تستخدم لأغراض المراقبة والدفاع عن المدينة. وعندما نذكر حي الطريف؛ نذكر قصيدة (طللية) لصاحب السمو الأمير عبدالله بن محمد بن سعود الكبير -رحمه الله- قالها بعد زيارة وقف خلالها على أطلال الحي أذكر منها: عسى السحاب اللي تثقّل بالأمطار تنثر على وادي حنيفة مطرها تنثر عليه من المخاييل مدرار تسقي طلول سهولها مع وعرها دارٍ لها في ماضي الوقت تذكار يجيبنا تاريخها عن خبرها ومن أحياء مدينة الدرعية حي البجيري الذي يضم ميداناً واسعاً وعددا من البحيرات الموزعة على جنبات الساحة الرئيسية وأسفل وادي حنيفة، وعددا متجاورا من المحال التجارية ذات الشكل الأنيق. حي سمحان يتشكل من عدد من المباني الطينية التراثية. ومن المتنزهات متنزه الدرعية (وادي حنيفة) يمثِّل المتنزَّه عنصر ربط بين حي الطريف وحي البجيري، ومتنفساً ترفيهياً لزوَّار الدرعية التاريخية، فمن خلال التكوينات الصخرية المنحدرة باتجاه الوادي، والغطاء النباتي مع عناصره المائية، بالإضافة للطرق والممرَّات، يوفِّر المتنزَّه بيئة مثالية للاستجمام. ولأهمية هذه الأحياء وقيمتها التاريخية تمت موافقة لجنة التراث العالمي على تسجيل حي الطريف في الدرعية التاريخية في قائمة التراث العالمي التابعة لليونسكو، وذلك خلال اجتماع لجنة التراث العالمي باليونسكو في دورته الرابعة والثلاثين المنعقد في مدينة برازيليا بالبرازيل في 29 يوليو 2010م؛ ليصبح الحي الموقع السعودي الثاني الذي يتم تسجيله في قائمة التراث العالمي بعد اعتماد تسجيل موقع الحجر (مدائن صالح). ولاهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله - بالتراث والحرص على توفير متنفس لسكان مدينة الرياض وما حولها ذي طابع أثري وقيمة متميزة صدر الأمر الملكي السامي في يوم الخميس 20 يوليو 2017 القاضي بإنشاء هيئة تطوير بوابة الدرعية برئاسة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-. تفوق مساحة مشروع هيئة تطوير بوابة الدرعية المليون وخمس مئة ألف متر مربع، وتضم المدينة أضخم مشروع سياحي ثقافي حيوي، إضافة إلى أكبر متحف إسلامي في الشرق الأوسط. كما أن هناك مدينة طينية تشمل مكتبة الملك سلمان وأسواقا ومجمعات تجارية ومطاعم ومواقع احتفالات، وستكون مشروعاً حيوياً ومقصداً لسكان وزوار مدينة الرياض. مميزات بوابة الدرعية: * متميزة بإطلالتها على ضفاف وادي حنيفة كامتداد لحي البجيري من جهته الشرقية. * تحتضن مجموعة من المرافق التاريخية والتعليمية والثقافية ومن أبرزها المتحف الإسلامي ومرافق للضيافة. * تترابط ميادينها وحدائقها وساحتها بشبكة مشاة متميزة بتصميمها العمراني البيئي. * ستستلهم تصميمها من البيئة المحلية متكاملة مع محيطها العمراني التراثي المميز. * ستدعم أنظمة النقل الذكي والوصولية العالية وتقنيات الاستدامة والعمارة الحديثة. * ستكون جاذبة للاستثمارات المتعددة وبيئة محفزة لمشاركة القطاع الخاص. وجود مثل هذه الأوامر إن دل على شيء فهو يدل على مدى حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين على تحقيق الهدف المرجو من رؤية 2030 والتي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وإيجاد البدائل الاستثمارية وتحفيز عمل القطاع الخاص، والأخذ برأي الشباب كعضو فاعل لدولة فتية. وجود مثل هذه المشروعات لا يهدف إلى الترفيه فقط؛ إنما إلى تفعيل دور المواطن كمشارك في بناء نهضة بلاده، وبالوقت نفسه توفر متنفسا رائعا لسكان المدن المكتظة، وهي نظرة إلى الماضي بأسلوب عصري جاذب لتاريخ نفخر به جميعاً مثل هذه المشروعات الجبارة هي ما يبحث عنه المواطن. قبل عدة أعوام كتبت عن برنامج تطوير الدرعية ليتوافق مع مكانتها كرمز وطني بارز في تاريخ المملكة ومع ما قدمته إبان ازدهارها فقد ارتبطت ذكراها بالدولة السعودية الأولى إذ يتضمن البرنامج عددا كبيرا من المشروعات التطويرية الثقافية والتراثية والعمرانية والاجتماعية والاقتصادية التي تعيد الدرعية التاريخية إلى دائرة الضوء والاهتمام والمشاركة الحضارية الفاعلة على المستويين المحلي والدولي، وهذا الموضوع يشكل أهمية كبيرة للمملكة كلها في الحفاظ على الآثار وتطوير المناطق القديمة يشكل بالتأكيد علامة فارقة لنا جميعا فإعداد المناطق وتهيئتها لتصبح أماكن ملائمة للجميع للاستماع بها؛ خصوصا إذا لاحظنا أنها مدينة تمتلك الجو الجميل والنقي ورائحة الماضي العريق، إضافة إلى المزارع التي تزود هذه المدينة الصغيرة بالأكسجين. هذا الأمر الكريم إحدى أهم هدايا الوطن لمسقط رأس الآباء والأجداد (الدرعية) والذي أطلق داخلنا أهازيج وأنغام وطني الحبيب وهل أحب سواه.