في 20 تموز (يوليو) 2009 يحتفل العالم بالذكرى الأربعين لتحقيق أكبر إنجاز فضائي منذ أربعة عقود. حينها، وصلت أقدام البشر إلى القمر في رحلةٍ فضائيةٍ مأهولة أولى من نوعها، استمرت أكثر من ثمانية أيام. وشكّلت مفتتح عصر المهمات الفضائية المعقدة لدراسة كواكب المجموعة الشمسية وأقمارها. وكذلك أنهت زمن التأمل الرومانسي بوجه القمر الذي لا يطال. السباق نحو عصر الفضاء قبل أربعين عاماً، كان السباق بين الاتحاد السوفياتي (السابق) والولاياتالمتحدة على أشدّه في الفضاء، مع أسبقية واضحة للسوفيات. بدأ عصر الفضاء صبيحة 4 تشرين الأول (اكتوبر) 1957 حين أطلق الاتحاد السوفياتي القمر الاصطناعي الأول «سبوتنيك». وبعد 13 شهراً تماماً، في 4 كانون الثاني (يناير) 1959، تمكّن المسبار السوفياتي الأول «لونا 1» من التغلب على جاذبية الأرض والذهاب بعيداً في الفضاء، من دون عودة إلى الأرض. وفي أيلول (سبتمبر) من العام ذاته، استطاعت «لونا 2» الوصول إلى سطح القمر، متحطّمة عليه أثناء الهبوط. وبعد شهر، تمكنّت «لونا 3» من الدخول في مدار حول القمر، وبثّت الصور الأولى للجهة الخلفية للقمر (الجهة التي لا تُرى من الأرض). وتتابعت نجاحات مركبات «لونا». وهبط بعضها بسلام على سطح القمر وعاد إلى الأرض ناقلاً بعضاً من تراب التابع المُنير. وأديرت المركبات بمزيج من البرمجة المؤتمتة والتحكّم لاسلكياً من القيادة على الأرض. وأعطت نجاحات برنامج «لونا» تفوقاً للاتحاد السوفياتي في الفضاء، دعمه إنجاز سير البشر في الفضاء، من خلال رائد الفضاء الشهير يوري غاغارين. ولم يحاول الاتحاد السوفياتي إرسال مركبة مأهولة بشرياً للهبوط على سطح القمر. وفي ذلك السباق، عانى برنامج الفضاء الأميركي من صعوبة في الانطلاق. وبين عامي 1961 و 1964، فشلت المحاولات الست الأولى لسلسلة مسابر «رينجر» في الوصول إلى سطح القمر. وفي المحاولة السابعة، نجح «رينجر 7» في 28 حزيران (يونيو) 1964 بالوصول على سطح القمر، ولو أنه تحطم هناك. ثم سارت الأمور بسرعة أميركياً. وبين عامي 1966 و 1967، نجحت خمسة مسابر من طراز «لونار أوربايتر» في الدوران حول القمر. ونقلت إلى الأرض صوراً عالية الدقة عن معظم سطحه. وبين 1966 و1968 هبطت 7 مسابر من نوع «سرفايور» بهدوء على سطح القمر، ودرست سطحه في شكل أولي. وارتدت معظم المهمات الفضائية الاميركية طابع التحضير لمهمةٍ رئيسية تولاّها بعد ذلك برنامج «أبولو»، استجابةً للتحدي الذي أطلقه الرئيس الأميركي السابق جون كيندي في خطابه التاريخي في 25 أيار (مايو) 1961، حين أبدى عدم رضاه عن تخلّف الولاياتالمتحدة عن الاتحاد السوفياتي في مجال الفضاء، وحفز الأمّة الأميركية على إيصال رجلٍ إلى القمر والعودة به سالماً إلى الأرض قبل نهاية عقد الستينات من القرن العشرين. ورصدت الدولة أموالاً طائلة لتلك الغاية. وأنشأت مؤسسة «ناسا» التي سوف يكون لها الدور الحاسم في سباق الفضاء، وفي تمكين البشر من التعرف عن كثب الى كواكب المجموعة الشمسية القريبة والبعيدة وأقمارها، وفي سبر أعماق السماء بحثاً عن كواكب سيّارة في الكون شبيهة بالأرض. وفي 20 تموز (يوليو) 1969، بعد اقل من 12 عاماً على إطلاق (سبوتنيك) وثماني سنوات على إطلاق المشروع الأميركي لاكتشاف القمر، أصبح نيل أرمسترونغ قائد المركبة الأميركية «أبوللو 11»، أول رجلٍ أرضيّ تطأ قدماه سطح القمر، في منطقة «بحر الهدوء». وخلال السنوات الثلاث التي تلت، أرسلت «ناسا» ست بعثات «أبوللو» متتالية إلى القمر. ومشى 12 رجلاً على سطحه. ولم تفشل سوى «أبوللو 13» في متابعة مهمتها نتيجة انفجار في أحد خزانات الأوكسيجين، فعادت خائبة إلى الأرض. وفي 1972، سار أخر رجل على القمر، هو الأميركي هاريسون شميث، في المركبة «أبولو 17». ذكريات الأمس قمرياً تشكّل فريق «أبوللو 11» من ثلاثة رواد هم نيل أرمسترونغ، ورفيقه في قيادة قمرة الهبوط مايكل كولنز، وإدوين إ. ألدراين. وبعد هبوط المركبة القمرية «إيغل» (وترجمتها «النسر») في «بحر الهدوء»، خرج أرمسترونغ. ومشى. وقال كلمته التاريخية: «إنها خطوة صغيرة لرجل، لكنها قفزة عملاقة للجنس البشري». وتولت كاميرا من «إيغل» مهمة التغطية التلفزيونية المباشرة للسير على أرض القمر. ونظر أرمسترونغ إلى كوكب الأرض ليراه كما لم يره أحدٌ قبله: قنديل أزرق كبير معلق في السماء. بعد قليل تبعه ألدراين. وقضى الرجلان أكثر من ساعتين في أعمال مثل المشي والقفز، وزرع علم أميركا، وملء أكياس من تراب القمر وحجارته. وساعدت السترة الواقية الثقيلة الرواد في تكبير قوة الجاذبية القمرية من جهة، وأمدّتهم بالحرارة والضغط والأكسيجين من جهة أخرى. خلال هذا الوقت، أنجزت المركبة المدارية «كولومبيا» دورات حول القمر. ثم توجّب الانطلاق «بإيغل» لملاقاة «كولومبيا» وإعادة الالتحام بها. وتركت «إيغل» على سطح القمر قاعدة معدنية من أربعة قوائم استعملت في الهبوط، واستُخدِمَت كقاعدة انطلاق لمغادرة سطح القمر. و في 24 تموز (يوليو) 1969، هبطت المركبة بهدوء في المحيط الهادئ حيث سارعت طائرة هليكوبتر لتنقل المركبة والرواد إلى سفينة إنقاذ. ثم وُضع الفريق الفضائي والعينات من القمر في العزل، للتأكد من خلوّهم من فيروسات فلكية قد تهدد سلامة الأرض. وجلبت رحلات «أبوللو» 382 كيلوغراماً من تربة القمر وصخوره. وأتاحت تلك العينات دراسة تاريخ نشوء القمر، مُظهرة أن صخوره تشكّلت بعد أكثر من بليون سنة من تشكّل مجموعتنا الشمسية. ومع عام 1973 خرج القمر من دائرة الاهتمام المباشر لمغامرة الفضاء. وفي 1993، قصده القمر الاصطناعي العسكري الأميركي الصغير «كليمنتين». ومنذ بضع سنين، ظهر احتمال أن تعاود وكالة «ناسا» رحلاتها المأهولة إلى القمر بغية بناء محطة ثابتة على سطحه، تستخدم كمرصد فلكي وقاعدة انطلاق للرحلات الفلكية المستقبلية نحو الكواكب البعيدة. التشكيك في نجاح «أبولو 11» خلّف سير الإنسان على القمر وقعاً شديد الإثارة على كثير من البشر. ولم يصدق البعض الحدث في حينه (ولا يزالون) واعتبروه تمثيلاً سينمائياً . ووصفته وسائل الإعلام السوفياتية، حينها، بال «الكذبة الكبيرة»، لأنها أعتبرت أن الاميركيين ليسوا في مستوى ذلك الإنجاز. ولم يخفت صوت التشكيك راهناً. ويملأ شبكة الإنترنت. ومثلاً، يعرض أحد المهندسين الأميركين عبر مواقع الكترونية، تفاصيل ما يسمّيه «الكذبة التاريخية». ويعتبر العملية بكاملها أعدّت كتمثيلية في المنطقة رقم 51 من صحراء أريزونا. وفي سياق متصل، عُرِض فيلم وثائقي على قناة «فوكس» الأميركية أخيراً، يقدم أكثر من عشرين زعماً للتشكيك بإنجاز «أبولو11». وطُرح هذا الفيلم على شبكة الإنترنت. وفي المقابل، ردّ علماء وكالة «ناسا» على الفيلم، معتبرين الحجج المقدّمة فيه واهية، وردّوا على نقاط الالتباس في الفيلم في شكل علمي مقنع. والحق أن السنوات التي تلت رحلة «أبوللو» شهدت نجاحات لعمليات معقّدة فضائياً. إذ أرسلت مسابر فضائية الى كواكب أبعد بآلاف المرات من القمر، مثل كوكب المشتري الذي دخل غلافه الجوي السميك المسبار «غاليليو» وأرسل الى الأرض صوراً دقيقة للكوكب ومعلوماتٍ قيّمة عن تركيب الكوكب العملاق في المجموعة الشمسية. كما تعددت منذ ذلك الحين المركبات الفضائية والمهمات نحو الكواكب القريبة والبعيدة. ووصلت بعض المسابر إلى حوافي النظام الشمسي. * أستاذ فيزياء في الجامعة اللبنانية