من واجبنا في ظل الإغراق الفكري المتمثل في التقنية وما تبثه من برامج تهدد بذوبان ثقافتنا الأصيلة وضياعها, أن نحافظ عليها بشتى الطرق ونقدمها للأجيال بين الحين والآخر, حتى لا يطويها النسيان, ولتكون رابطا بين الحاضر والماضي, وليظل تراثنا الثقافي الأصيل باقيا في ذاكرة الأجيال. يعد برنامج الغبقة الذي عُرض في قناة الثقافية السعودية طوال ليالي رمضان والذي دخل في مضمون الثقافة التقليدية للمجتمع السعودي التي مارسها الأجداد في شهر رمضان وأيام العيد بالذات ومن جميع جوانب الحياة الاجتماعية في المملكة قديما من أروع ما قُدم حيث استقطب جمهورا عريضا من المشاهدين والمتابعين. وتميز البرنامج بتغطيته كافة مناطق المملكة في استضافة الشخصيات التي عشنا مع أحاديثهم فحلقوا بنا على مشارف التراث والموروث الشعبي, وما تحمله ثقافتنا في الجزيرة العربية من تنوع وأصالة, وفتحت لنا باب المقارنة في اختلاف الممارسات في العادات والتقاليد, وتباين الأهازيج حسب البيئة والموقع الجغرافي, بينما تتفق جميعها في مضمون العادات والتقاليد. قدمت فكرة هذا البرنامج وأعدته وقدمته المذيعة المتألقة في قناة الثقافية السعودية - عفاف المحيسن - والتي عودتنا دائما في برامجها الاهتمام بالموروث الشعبي السعودي والخليجي وتوثيقه إعلاميا, بتحملها عناء السفر للوصول إلى منابعه, وعمل اللقاءات مع المختصين والممارسين للموروث الشعبي حرصا منها على توثيقه. حملت ذكريات الضيوف عادات وتقاليد وأعرافا حسب مناطق المملكة والموقع الجغرافي, فأعادوا صورة جميلة للأحياء الشعبية, وكيف تتجلى الممارسات بروحانية رمضان في التكافل الاجتماعي, والترابط الأسري, والسباق على أفعال الخير, واستعداد المجتمع لهذا الشهر الكريم, ثم الاستعداد للعيد, كجزء من ثقافتهم التي حددت هويتهم, ما جعل لهذا البرامج أهمية في ربط الجيل بموروثاته, فكان همزة وصل بين المُشاهد المتعطش دائما لسماع أحاديث الأجداد, في قضاء هذه الأيام المباركة, في ظل اختلاف الحياة الاجتماعية وتأثير التطورات التي أحدثها الزمن, ما جعل الجيل على اتصال دائم مع موروثه, حتى لا يطويه النسيان, فيكون الجيل قريبا من أساس ثقافته الشعبية الأصيلة, وحتى لا تندثر هويتنا التي تميزنا باستقلالية خاصة أمام العالم أجمع. إذا تبني مثل هذه البرامج يعتبر مشروعا ناجحا في توثيق ثقافة مجتمعنا من خلال طرحها بشكل تُمكْن الجيل بالتواصل مع ثقافة أجداده بصورة حية تعبر عن ما كان عليه المجتمع قديما, من حيث الفقرات التي يقدمها البرنامج بالمشاهد الحية, والتي تعطي صورة حقيقية في التعريف بثقافته, ومنها تكون مرجعا لهم في أبحاثهم ودراساتهم, فكم نحن بحاجة ماسة لمثل هذه البرامج الشعبية, التي تعيد ذاكرة ثقافة جزيرتنا العربية الأصيلة وتعمل على توثيقها. طرح البرنامج فقراته على طريقة الممارسات بثقافاته المختلفة, في اللبس وما يتبعها من زينة وأثاث, والأطباق التقليدية, والأهازيج الشعبية, والفنون الحركية والصوتية, وكيفية قضاء ليالي رمضان, بالممارسات المختلفة بأشكالها حسب المكان الذي تمارس فيه بمناطق المملكة فكان كمتحف مصغر أعطى نموذجا جميلا بمشاركة المشاهدين بالمسابقات التي جعلت من الأمثال الشعبية محكا للأسئلة التي طرحت عليهم. للإعلام دور كبير في الحفاظ على موروثنا وتراثنا, في طرح مثل هذه البرامج الهادفة, التي تحفظ الهوية السعودية في محاكاة الموروث الشعبي, الذي يحترمنا العالم به ويميزنا باستقلالية ثقافية خاصة بنا. يشتكي الشاعر خوفه على اندثار الموروث فيقول: موروثنا الشعبي تناسته الأيام وحنا مع الأيام أيضا نسينا الخيل كان له بطولات وأحلام فأحلامنا معاد والله تبينا والهيل ريحه كنْه اليوم منضام يقول وين أهل الكرم ما تجينا والليل ناره شف لها عدة أعوام ما ولعت ذيك الأحاسيس فينا والشايب اللي شبّها بأول العام أضحى رهينه لو غناته علينا وبُنْ اليمن أصبح دعايات وإعلام ما عاد يُقنع صاحبه لو روينا وتراثنا معاد تنفعه الأفلام لا صار مخرجنا مهو مشتهينا يشكي لي الواقع على روس الأقلام يقول ما عاد العرب تحتوينا واللي عليْ يسأل له أيام ما نام هذي يدينا ما توصل يدينا يضيع من تطبيع جيله وينضام معذور لو حزنك بعد ما يبينا من فقرات البرنامج