زرت دبي مؤخرا تلبيه لدعوة صديق يعمل هناك.. استقبلني برفقة شاب سوري أنيق لم يكد يفارقه .. كان يتعامل معه كصديق أو أخ شقيق حتى ظننته شريكه في العمل.. ذهب معنا إلى المطعم وجلس برفقتنا حول الطاولة وشاركنا النقاش بطريقة واثقة.. كان صاحبنا يعامله باحترام وينصت له باهتمام (الأمر الذي جعلني أعامله بالمثل) ولم أدرك إلا في آخر النهار أنه كان.. سائقه الخاص!! أكبرت في مستضيفي هذه الروح الجميلة وأدركت أنه رجل أصيل.. فخلال عملي في إمارة المدينة تعلمت أن معدن الانسان لا يظهر من خلال تعامله مع الأكبر منه منزله، بل مع الأصغر منه مقاما ومنزله .. فأنت ستتعامل مع الأمير والمسؤول (شئت أم أبيت) بكل تقدير واحترام، ولكنك لست مجبرا على فعل ذلك مع المساكين والبسطاء (أو من يعملون تحت كفالتك) مالم تكن انسانا أصيلا بالفعل... وكنت قبل ذلك بكثير (وتحديدا أيام عملي في ثانوية السمهودي في المدينةالمنورة) قد لاحظت أن معظم المعلمين يضحكون على نكت المدير السمجة (بل ويكادون يستلقون على ظهورهم بحسب تعبير ألف ليلة وليلة) في حين لا يضحك أحد تقريبا على نكتة عامل النظافة أو فّراش المدرسة.. والفرق في الاستجابة لكلام الناس يثبت أننا لا نأخذه بمعزل عن منزلة صاحبه؛ ففي البرلمانات المزيفة مثلا يصفق النواب طويلا لكلمات الزعيم، ليس تقديرا له، بل لأن كل شخص فيهم يخشى التوقف أولا ... والحقيقة هي أن جميع الناس (الذين يتعاملون معك) إما مزيفون أو أصيلون أو خليط بين الاثنين.. إما يلبسون أقنعه تتغير مع كل موقف، أو قناعا واحدا يناسب كل المواقف.. أما شخصيات أصيلة لا تغيرهم المناصب، أو شخصيات مزيفة تتغير بتغير المناصب ودوران الكراسي.. السؤال هو ؛ كيف تعرف الإنسان الأصيل من المزيف؟ ... من حسن الحظ أن الشخص المزيف متناقض ومتلون لدرجة تتيح كشفه بعد وقت معين.. اسأل نفسك ببساطة: هل يتعامل بشراسة وفوقية مع الضعفاء والعاملين تحت سلطته؟ هل يصبح مبتسما وبشوشا في حضرة الكبار فقط؟ هل يُقيم الاقتراحات بحسب منزلة قائلها، أم بحسب قيمتها الذاتية؟ هل يهتم لمناصب الناس وأسماء عائلاتهم (ويحرص على التقرب منهم فقط)؟ هل يجعل نفسه محورا لكل شيء ويحاول الاستحواذ على كل شيء؟ هل يحاول الاستعراض والظهور في كل مناسبة علنية أو إعلامية؟ هل يغتاب (أو يحش) غيره سرا، أم يقول رأيه أمامهم بصراحة؟ هل ينتقد أقرانه كثيرا ليظهر أمام رئيسه بمظهر الفاهم والأكثر حرصا؟ هل يصبح لطيفا ومؤدبا (فقط) حين يملك "أجندة خاصة"؟ ... كل إجابة بنعم تعني أنك تتعامل مع شخص مزيف يؤقلم نفسه بحسب من يقف أمامه.. كل إجابة ب(نعم) تتطلب التأمل في طبيعة السؤال الذي سبقها، في حين تمنحك الإجابة ب(لا) قدرا من الأمان والطمأنينة.. وكي لا تظلم أحدا، كن متسامحا ومتقبلا لحقيقة أن جميع الناس خليط بين الأصالة والتزييف وبالتالي يجب أن يعتمد تقييمك لهم على (أي الطبعين غلاب) ...