من غير الممكن الفصل بين كيانين يمثلان توجهاً واحداً يقوم على نشر الفوضى والفتنة في أوطاننا تحت شعارات مكشوفة لم تعد أهدافها خافية على أحد. أتحدث هنا عن العلاقة التي تربط بين قطر بعد الانقلاب الأسود عام 95 وقناة الجزيرة، التي انطلقت من الدوحة بعد ذلك بعام لتمثل الأداة التي اعتمدها أمير قطر السابق لتضخيم بلاده ومنحها دوراً يتجاوز حدودها الجغرافية ومكانتها الجيوسياسية، في ظل غياب إعلام عربي شامل قادر على المنافسة في تلك الفترة. لذا فإن الاستجابة للمطالب الخليجية المصرية بإغلاق (القناة الدولة) سيكون بمثابة انتحار سياسي للقيادة القطرية التي ستصبح بعد ذلك بلا صوت أو صورة وستعود إلى حجمها الطبيعي وهذا ما لا ترضاه الدوحة. على الجانب الآخر يبدو بأن الدول (المقاطِعة) ملت من الوعود القطرية السابقة بالتوقف عن استخدام هذا المنبر لنشر الاكاذيب وترويج الشائعات واستغلال الظروف الإقليمية الراهنة لتشجيع القلاقل ونشر الفوضى في تلك الدول ومحيطها العربي، لأن الاستمرار في ذلك يعني ببساطة عدم الالتزام ببقية المطالب. من المبالغة الحديث عن أن هذا الموقف الحازم من المحطة اعتراف بتأثيرها ودورها كممثلة للشعوب كما يقول مناصروها فهي التي فشلت في الوقوف ضد رغبة الشعب المصري عندما أطاح بحكم الإخوان رغم دفاعها المستميت عنهم هي وما استنسخته من قنوات ومواقع، وعجزت عن نشر الفوضى في البحرين رغم مساعيها المعروفة التي أكدتها التسريبات الأخيرة، وهي التسريبات التي كشفت عن دور مشبوه لخلق معارضة سعودية وإماراتية في الداخل والخارج واستقطاب رموز المجتمع للتأثير على توجهات مواطني الدولتين وهو الهدف الذي فشلت فيه أيضاً. أتفهم دفاع الزملاء العرب في الجزيرة عن قناتهم فهي التي احتضنتهم وأغدقت عليهم بالمال والمناصب والأدوار بعد أن كان معظمهم طريداً من وطنه أو مهاجراً في بلاد الغربة يبحث عن عمل. في المقابل اشترت القناة منهم الولاء المطلق لا (لحرية التعبير والرأي والرأي الآخر) كما تدعي هي، بل لكل ما تمثله قطر من مواقف وأجندات سياسية حتى وإن تعارض ذلك مع مصالح أوطانهم وضميرهم المهني المعمى طوعاً عن المؤامرات القطرية. كمواطن خليجي.. أتفهم مطالب الدول الأربع فيما يتعلق بإغلاق هذا البوق، إلا أني كصحفي أرى في ذلك طوق نجاة لهذه المحطة التي فقدت مصداقيتها خصوصاً في الدول التي ذاقت ما زرعته فيها من خراب وفتنة تحت شعارات الحرية، والثورة، والربيع العربي. والآن وبعد سنوات من الاحتكار تغيرت المعادلة التي كانت تراهن عليها الدوحة، فلم تعد القناة المسيطرة على الساحة الإخبارية كما كان الحال لسنوات بعد تأسيسها عام 96 فهناك مؤسسات إعلامية ذات شعبية عالية كالعربية وغيرها من القنوات المعتدلة التي كسبت ثقة المواطن العربي الذي خسرته الجزيرة ودولتها قطر بالتحريض الرخيص وإن كلف بلايين الريالات من مقدرات أشقائنا القطريين.. لذا فإن إغلاقها سيؤدى إلى بطالة آلاف العاملين فيها والمستفيدين منها وهذا هو ما يبرر كل هذا الدفاع المستميت عمّا يقال بأنه حرية تعبير!!