خلق وجود المؤسسات الدينية أجواء اجتماعية محافظة تعاظم أثرها يوما بعد يوم منتظمة جميع ميادين الحياة العامة واليوم تتكرس المحافظة بصورة واسعة مستفيدة من حضور محمد بن سلمان القوي ومن علاقته الوطيدة بالمؤسسات الدينية ومن الثناء العلني الذي أضفاه محمد بن سلمان على تلك المؤسسات الدينية وتوجهها المستقبلي وذلك في أثناء حديثه مع شيخ الأزهر د. أحمد الطيب وهو تقدير كبير للأدوار التاريخية التي أدتها تلك المؤسسات على مر التاريخ. عندما يتحدث محمد بن سلمان عن الدور الحيوي والفعال للمؤسسات الدينية فإنما يتحدث عن الجانب القيمي حيث يركز على الحفاظ على قيم المجتمع ومحاربة الانفلات غير المنضبط الذي قد يتهدد المجتمع ولذلك فإن محمد بن سلمان ينقلنا من مجرد الدولة التي تسعى إلى المحافظة إلى الدولة التي تصون المحافظة وتحافظ عليها وينقلنا من الدولة التي تسعى إلى التطور إلى الدولة التي تصون التطور بل وتصنع أسباب التطور وتهيئ أسباب التقدم والتفوق بما تتميز به من خصائص وما تزخر به من معطيات. لهذا كله يريد محمد بن سلمان أن يكون الأمل والواقعية سمة من سماتنا وجزءا لا يتجزأ من رسالتنا ويريدنا أيضا أن نتكيف مع ثمار الحضارة وتقنياتها الواقعية ونتفاعل معها بمنطقية بدون أن نتهاون أو نتغافل عن أصالتنا أو ننسى قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا العريقة. يريد محمد بن سلمان أن يكون الأمل والواقعية سمة من سماتنا وجزءا لا يتجزأ من رسالتنا ويريدنا أيضا أن نتكيف مع ثمار الحضارة وتقنياتها الواقعية ونتفاعل معها بمنطقية بدون أن نتهاون أو نتغافل عن أصالتنا أو ننسى قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا العريقة. فالمؤسسات الدينية تؤدي دورا فاعلا في الحياة العامة وفي التأكيد على العقيدة كأساس لكل الحياة العامة وتكريس هذا الالتزام في شكلين هامين: التمسك الكامل بالشريعة الإسلامية قانونا عاما للبلاد. اهتداء السياسة الخارجية بضوابط ومؤشرات الشريعة الإسلامية. ولذلك تشكل المؤسسات الدينية نفوذا واسعا في جميع ميادين الحياة الاجتماعية والثقافية والعلمية والفكرية فهي تعتبر أصل التعامل الحكومي وفي نفس الوقت أصل السلوك الفردي للمجتمع. ولسنا نتجاوز الحقيقة عندما نقول بأننا الدولة الأولى في العالم التي تقوم سياساتها على أسس فكرية عقائدية لم تعرف تغيرا أو تبدلا حتى يومنا هذا. فقد كانت المملكة منذ نشأتها وما زالت الدولة العقائدية التي لم تتهافت على الأيديولوجيات وكانت تمتلك المنهج الفكري القويم المرتكز على أساس ديني والمبرأ في الوقت نفسه من الكهنوت وادعاء العصمة. ولذلك كانت ولا تزال العقيدة السلفية تشكل جزءا كبيرا من المجتمع وتتكون من مدارس متعددة في آلياتها وتفريعاتها ومن خلال هذا السياق فالعقيدة السلفية تشمل قطاعا عريضا وكبيرا جدا من الحركات الإسلامية ولكنها عرفت وتشكلت أخيرا في الدعوة الإصلاحية. وفي ظل هذا السياق انتشرت العقيدة السلفية في العالم الإسلامي لتوافرها على ميزتين رئيسيتين: الأولى: العقلانية العقائدية المتمثلة في الصلة المباشرة بين الفرد وربه وتحرير الإنسان من أوهام الخرافة ومعتقدات الشعوذة وهو ما دفع بعض المفكرين أمثال د. محمد عابد الجابري إلى اعتبار السلفية بداية التنوير الإسلامي في القرن العشرين بسبب تبنيها مواقف صارمة تجاه الخرافة والأسطورة والشعوذة والاستعمار. الثانية: الدعوة الإسلامية حيث قامت السلفية بالدعوة في كل أنحاء العالم والذي قوبل لدى غالبية العالم الإسلامي بالترحيب لمسايرته للعقل. فإذا كان التيار السلفي في سياقه العام تيارا عقلانيا إذا ما قورن بالتيارات الأخرى إذ المرجعية العقائدية لديه توقيفية على الكتاب والسنة لذا لا غرابة أن نجد كثيرا من المفكرين المعاصرين لا يرون السلفية إلا مرحلة أساسية للتقدم لدى الشعوب الإسلامية وفي هذا السياق كان التوافق على أن الدعوة السلفية كانت في وقتها أكبر حركة إصلاحية دينية ديناميكية ولكن نتيجة عوامل متعددة طالت السلفية كما يطول غيرها من الحركات الأخرى تراجعت السلفية عن دورها ولم تكن تحظى بالنفوذ نفسه الذي كانت عليه حيث إن كل المتغيرات لعبت ضدها مما أفقدها رصيدا كبيرا من شعبيتها واليوم تحتاج السلفية إلى إحياء جديد يعيد السلفية إلى وضعها الطبيعي في الانتشار والقبول ولذلك يأتي حديث محمد بن سلمان عن المؤسسات الدينية لتقوية مواقعها. ذلك أن السلفية تعيد الجميع إلى أصل الدين الذي لا خلاف عليه وهو الكتاب والسنة بخلاف المدارس الأخرى كما أن الفكر السلفي هو الحاضر دائما في المشهد الثقافي والجدل الفكري والقادر على الدخول في سجالات وحوارات يمكن أن تعيد التموضع الديني والسياسي على الخارطة الحديثة للفكر الإسلامي فالسلفية من حيث البنية الفكرية والعقائدية من أكثر التيارات الدينية مرونة بغض النظر عن واقعها الحالي لاسيما إذا علمنا أن السلفية تقوم بشكل أساسي على أصول الدين بعيدا عن الدخول في الخلافات الفرعية التي يجب أن تخضع للاجتهاد بكل مقوماته. يمكن القول إن السلفية مهيأة وقادرة على بعث نفسها من جديد فقد قامت السلفية على قاعدة التفاهم والتعاون والانسجام بين السلطتين الروحية والزمنية في بلورة سياسية اجتماعية متماسكة انطلاقا من أن السلفية تمثل عنصرا وجوهرا من عناصر تكوين السلطة بالنظر إلى ما تمثله من منظومة أخلاقية وروحية تركن إليها الدولة في بناء سلطتها وتدعيم مؤسساتها فالسلفية بهذا المعنى تمثل مصدر تربية ذاتية وجماعية لا غنى للدولة عنها والحل العملي يكمن في: إعادة كتابة تاريخ السلفية (الدعوة الإصلاحية) وفق رؤية علمية ومنظور محايد والوقوف على التحولات والتطورات التي مر بها الفكر السلفي من حيث مظاهره ووسائله وتفاعله مع المجتمع حتى صارت الدعوة الإصلاحية من أكبر القوى المؤثرة في المجتمع والوقوف على التحولات التي مر بها الفكر الديني. إعادة دراسة الخطاب الدعوي الذي تتبناه الدعوة الإصلاحية وتخليصه من التداخلات التي حدثت له جراء تشابكه مع خطابات الحركات الإسلامية وخاصة الإخوان المسلمين وتكيفيه ليتلاءم مع المجتمع. تطوير الفكر السلفي لكي يكون ملائما للبيئات الاجتماعية التي يتحرك فيها وقادرا على التعايش مع الأطياف والشرائح الاجتماعية ومتفاعلا مع حاجات وأحوال العصر. صياغة واقع فقهي جديد يكون قادرا على القبول بكل مكونات المجتمع وذلك بتحريك النصوص الفقهية لمواكبة الواقع والتي جاءت نتيجة واقع معين فرض هذه النمطية من الاجتهاد الفقهي. تنزيل النص الفقهي على الواقع فالإسلام يدعو للارتباط بالعصر دون تخط لأمر الارتباط بالأصل والأخذ من الحضارات بما لا يتعارض مع قيم الأمة الأخلاقية وأصولها العقدية ومفاهيمها الفكرية ومناهجها التربوية.