لا يختلف اثنان على أن السلفية هي التيار الغالب اليوم، في مظاهر التدين التي تعكسها ممارسات الناس التعبدية في الحياة اليومية، وهي قوة سياسية يحسب لها حساب في الساحات الوطنية كتيارات فاعلة في بعض الدول وكقوة انتخابية في دول أخرى، وهي موضوع مثير للجدل في نقاشات النخب السياسية والثقافية، ثم هي تحتل اهتمام أجندات البحث في المراكز البحثية الأكاديمية، وتدمغ السلفية اليوم العلاقات الدولية بصبغتها الجهادية منذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر). لقد صارت السلفية الدينامية الأقوى والأكثر اشتغالاً في عالمنا الإسلامي وقدرة علي التأثير فيه، وهي تتمدد في كل فراغ تنسحب منه الديناميات الأخرى. نعتبر أنه يمكن تعريف السلفية باعتبارها مشروعاً إصلاحياً يتضمن الأبعاد العقائدية والاجتماعية، لكونه جاء كرد فعل، منذ الشيخ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية، لانحراف الفهم الصحيح للعقيدة الإسلامية. لكن اهتمام السلفية بالنص جاء في إطار فهم السلف له مما ربطها، من ناحية ثانية، بحقبة تاريخية محددة كانت السبب في كثير من الأحيان في تقلص مفهوم السلفية في طابع علمي - فقهي، أو ممارساتي - تعبدي بخاصة منذ سبعينات القرن العشرين، فغدت للسلفي سمات خاصة تميزه عن غيره من الإسلاميين على الأقل من الناحية النفسية والسلوكية بدل ان تتحول الى منهجية فكرية لا تلزم بالضرورة هيئة خاصة بها. مسار انتقال السلفية الى السياق المصري وتفاعلها مع الحركة الإخوانية هو ما نسميه ب «التسلف» أو التحول الى السلفية، وهي عملية ديناميكية مجتمعية وتاريخية خضعت لها التفاعلات المتبادلة بين جماعة الإخوان المسلمين في مصر وبين الفكرة السلفية القادمة من نجد في الجزيرة العربية، عبر سياق تاريخي ممتد بدا منذ أواسط سني الخمسينات، وقت الضربة الأولى التي تعرض لها الإخوان في مصر، ووصولاً الى مرحلة الذروة التي ميزت سني السبعينات. ظاهرة التسلف على هذا النحو ظاهرة اجتماعية حدثت بشكل ممتد ومتواتر في السعودية حين هرب إليها الإخوان من الاعتقالات الناصرية، وفي مصر في السبعينات حين كان التمدد السلفي يطاول حركة الجماعات الإسلامية في الجامعات المصرية منشئاً تياراً كاملاً قاده الطلبة الذين صاروا اليوم شيوخ الدعوة السلفية، لا سيما في الإسكندرية ووجه مصر البحري. وثمة دور يفترض أن الإخوان قد لعبوه في تأطير السلفية ودمغها بالطابع المصري حين تمكنوا من ضم القسم الأكبر من الجماعة الإسلامية فخففوا المنظور السلفي في فهم العقيدة والموقف من السياسة بشكل خاص، فيما اتجه الآخرون ممن لم ينضووا تحت راية الإخوان يميناً ويساراً كل وفق موقفه من مسألة الانضمام الى الإخوان: فاتجه الأكثر تشدداً من سلفيي السبعينات الى مفهوم التغيير الجذري الذي تطعم بفكر سيد قطب وأسسوا الفروع الجهادية للتيار السلفي. وفضل القسم الآخر البقاء في إطار الدراسة الفقهية في الدعوة السلفية فأنشأوا في مصر بذلك ما صار يعرف بالسلفية العلمية.