يجد أي مسؤول جديد نفسه في بداية العمل في حالة عاطفية تتسم بمشاعر التقدير لمن وضع فيه الثقة، وينتابه شعور بالثقة بالنفس، إلى جانب الخوف من العمل الفعلي والنتائج. كما يحيط به كم من الأسئلة حول طبيعة العمل وفريق العمل وخطة العمل، وماذا سيضيف، وكيفية التواصل مع المجتمع. ومع بدء العمل يتعرف على زملاء العمل وقد يحتار في نطاق التعارف، هل يتعرف على الجميع أم يكتفي ب(كبار) المسؤولين المرتبطين به مباشرة؟ وبعد التعرف الشخصي، يبدأ التعرف المهني. في هذه المرحلة يتعمق في معرفة قدرات الزملاء وأفكارهم وطريقتهم في العمل. وقد تكون لديه معلومات مسبقة عن بعضهم، فيبدأ بالمقارنة بين تلك المعلومات وبين ما يراه على الواقع. كما تسيطر عليه مقارنة أخرى بين انطباعه الأول عن الزملاء وبين ما اكتشفه بالتعامل المباشر معهم. بعد تكوين معرفة شخصية ومهنية عن الزملاء من خلال مدة قد تطول، يبدأ المسؤول التفكير بالتجديد والغربلة واستقطاب الكفاءات بمعايير معينة قد تكون مهنية وقد تكون شخصية، وقد يجمع بين المعيارين، وسوف يجد نفسه حائرا بين تقدير الزملاء أصحاب الخبرة الطويلة، وبين الرغبة في التجديد. سيفشل المسؤول إذا اتخذ علاقاته السابقة -سواء كانت جيدة أو سيئة- أساساً للتعامل مع المرحلة الجديدة، وسوف ينجح إذا سلك طريق التمهل وفتح المجال أمام الجميع للمشاركة في تحديد التوجهات الجديدة وجوانب التطوير ذات الأولوية، وحل المشكلات الملحة.. في بداية العمل سيعتمد المسؤول بشكل كلي على المخضرمين خاصة إذا كان قادما من خارج الجهاز. أما القادم من داخل الجهاز فيملك معلومات عن العمل وعن العاملين، ويمكن أن تؤدي هذه المعلومات المسبقة الى النجاح أو الفشل بحسب طريقة التعامل معها وهو أمر يختلف من شخص لآخر ويخضع للظروف التي يمر بها الجهاز وطبيعة المشكلات والتحديات التي يعيشها. سيفشل المسؤول إذا اتخذ علاقاته السابقة -سواء كانت جيدة أو سيئة- أساسا للتعامل مع المرحلة الجديدة، وسوف ينجح إذا سلك طريق التمهل وفتح المجال أمام الجميع للمشاركة في تحديد التوجهات الجديدة وجوانب التطوير ذات الأولوية، وحل المشكلات الملحة. بهذه المشاركة تتضح الصورة للمسؤول بما يمكنه من توزيع المسؤوليات وتحديد الاحتياجات من الكفاءات البشرية. في موضوع التواصل مع المجتمع، يعتمد المسؤول في البداية على أحد كبار المسؤولين في الجهاز بحكم خبرته ومهاراته الاتصالية وقدرته في التعامل مع الاعلام. هذا يجعل المسؤول الأول يتفرغ لدوره القيادي، في بعض الحالات قد يشعر المسؤول الأول بالعزلة وينتابه شعور بأن الصمت قد يساء فهمه ويؤثر على نظرة المجتمع اليه خاصة أن البعض يقيم أداء المسؤول بمعيار القدرات الكلامية. الواثق من نفسه يترك مهمة التواصل والاعلام لأحد الزملاء من باب وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. بعض المسؤولين يفوض تلك المهمة الاعلامية بصفة مؤقته معطيا لنفسه الوقت لتفهم الوضع الراهن والتعرف على مشروعات المستقبل. وبعدها يسترجع المهمة خوفا من تشكل انطباعات غير جيده عن أدائه. وقد يبالغ المسؤول في الجوانب الاعلامية فيتعرض للنقد حين تقوم مقارنة بين ما يقال وما يتحقق فيتضح وجود فجوة بين هذا وذاك. التعامل مع الإعلام لا ينفصل عن القيم المهنية والأخلاقية للجهاز. إذا كانت الشفافية والمصداقية وخدمة المجتمع ضمن تلك القيم، فإن المتوقع أن يتعامل المسؤول مع الإعلام كشريك يساهم في تحقيق النجاح. لا يمكن الانعزال عن الإعلام لأن هذا يعني الانعزال عن المجتمع، ولا يمكن استخدام الإعلام لخدمة أهداف الجهاز وصورته الذهنية في المجتمع، ثم رفض دور الإعلام في المتابعة والتقييم. في العمل الفعلي، يتساءل المسؤول إذا كان في مركز قيادي عن دوره الحقيقي وعن المهام التي يتولى القيام بها والمهام التي يفوضها , وهل يقوم بدور القائد أو المدير أو بهما معا ؟ ما هي المهام ذات الأولوية؟ كيف يدير وقته، وما هو الاسلوب المناسب للاتصال؟ يفتح المسؤول حقيبة العمل المليئة بالملفات، يتساءل، ما هو الملف المهم، وما هو الملف المستعجل ؟ وما هي المعايير لتحديد ذلك؟ هل يتخذ قرارات شعبية متسرعة أم تكون القرارات حسب الأنظمة والمصلحة العامة؟ ألا يحتاج الى رأي فريق العمل؟ ولكن هل سيكون رأي فريق العمل موضوعيا؟ هل يحتاج الى مستشار من خارج الجهاز؟ وهل توفر الموضوعية مبرر كاف للاستعانة بالمستشار الخارجي أم هناك ايجابيات أخرى؟ وكيف ستكون علاقة المستشار بفريق العمل؟ يأتي بعد ذلك وقبل ذلك سؤال يتعلق بتقييم الأداء. يتساءل المسؤول، هل سيتم تقييم أدائه بالنتائج مقارنة بخطط العمل والأهداف، أم بانطباعات تتكون بتأثير العاطفة , وبردود أفعال على قرارات أو توجهات قد تنال الرضا من البعض والسخط من آخرين. تلك الهواجس والتساؤلات بالنسبة لمسؤول يمتلك الثقة والرؤية الواضحة تتحول الى عمل وحيوية ومشاركة وانتاجية عالية، كما تتحول مع مسؤول آخر الى بيئة عمل يسودها اللون الرمادي، والخوف من التغيير، والقلق من التعامل مع الإعلام، والاستسلام لعمل يؤدي الحد الأدنى ويتردد في فتح أبواب التطوير، ويحيل الأفكار الإبداعية والمبادرات الى ملف الانتظار الى أجل غير مسمى! ليس هناك نصيحة إدارية صالحة للجميع ولكل الظروف. لكن المتفق عليه إضافة الى عناصر العملية الإدارية المعروفة هو أن النجاح لا يتحقق بدون فريق عمل متمكن ومشارك يمارس الانتماء والولاء ويعمل دون انتظار للتوجيه والتعليمات. النصيحة الوحيدة التي يحتاجها الجميع وتناسب كل الظروف هي الاهتمام بالإنسان؛ ولنتذكر أن التطوير التقني مهما بلغ مستواه لن يحقق النجاح بدون حضور الانسان وقدرات الانسان واحتياجات الانسان ورضا الإنسان، وأخيرا لكل شخص طريقته في القيادة. الأمر الذي يحتاجه الجميع هو وجود رؤية واضحة وخطط وأهداف محددة قابلة للقياس للوصول الى تلك الرؤية. وكيفية الوصول هي التي تختلف من شخص لآخر بتأثير عوامل متعددة تحتاج الى موضوع مستقل.