تنقلتُ في آيات الكتاب، وفيما يحضرني من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله، لألتقط منطلقًا للحديث عن وداع رمضان، واستقبال العيد بفرحة وابتهاج، فاستقر تأملي في حديث أبي رزين عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَرِه، قال قلت: يا رسول الله! أو يضحك الرب؟ قال: نعم، قلت: لن نعدم من رب يضحك خيراً» والقنوط الذي تقع فيه النفوس أنواع، منها: ما يصل إلى اليأس من رحمة الله -عياذا بالله- وليس كلامي هنا عن الحزن الشديد الذي تتلبس به النفوس الصالحة أسفًا لفراق شهر رمضان، وتندمًا على التقصير فيه، وسرعة انقضائه، وكأنه طيف عابر، لتقف في آخره تنادي: «يا ليت شعري، مَن المقبول فنهنيه، ومن المحروم فنعزيه» ولسان حالها يقول: خيرُ الوداع لشهرنا رمضانٍ هل بَعْد بَيْنِك كانَ من سلوانِ خيرُ الوداع عليكَ يا شهر الهُدَى لم يَبق من ذنبٍ ولا عصيانِ فعلَى فراقكَ سالَ دمعُ عيوننا فوق الخُدُودِ كهاطلٍ هَتَّانِ فهو المفضّلُ والمعظمُ قدرُه خيرُ الشهورِ وسيِّدُ الأزمانِ وما أن تشرق شمس العيد، إلا وتحولت حالة تلك النفوس الأسيفة إلا حالة فرح واستبشار وسرور، شكرًا لله على توفيقه، فليست تلك الحالة الحزينة من القنوط الذي نريد التحدث عنه, فقد كان السلف رضي الله عنهم يبدون حزنهم ودموعهم لفراق رمضان, ولكني سأعرج هنا عن الوضع العام الذي يمر به المسلمون، وتذمر الكثير منا مما يحصل هنا وهناك من حروب، وتدمير، وقتل وقتال، حتى انعدمت بوادر الأمل عند ضعيفي النفوس، وانسد أفق الفرج، في وجوه القانطين من لطف الله، وكأن الحالة لن تتغير, وقد فهم الصحابي الجليل أبو رزين من قول نبينا صلى الله عليه وآله «ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره» فَهِمَ من ضحك الرب, ما يفهمه العربي من العربي, فلم يذهب إلى معنىً بعيد, فقال: «لن نعدم خيرا من رب يضحك» فهذه الأمة هي أمة محمد صلى الله عليه وآله، ولن يطول عناؤها، ولن يدوم شقاؤها، فهاهي بوادر الأمل تنبثق بفجر جديد, وعهدٍ تغيرت مساراته وكأنها تبشر بقُربِ غِيَرِ القنوط الذي تغلغل في نفوس كثير من الناس، فما من مصيبة إلا وأعقبتها سلوى, وما من حزن إلا ومحت آثاره أفراح تعقبه, وما من ضعف يصيب الأمة إلا وهيّأ الله لها من يلملم شعثها, ويجبر كسرها, ويعيد مجدها وعزتها. إن الدموع التي تسكبها عيون المودعين لرمضان, مابين غروب الشمس وشروقها تتحول من دموع حزن, إلى دموع فرح بالعيد, فهذا يلقى هذا, وهذا يعانق هذا, وهذا يهنئ هذا, وذاك يضحك, وذاك يمزح, وهذا يمرح, ومهما يكن من جراح في الأمة, فابتسامة العيد توحي بقرب تغير الحال, فالقلب يحزن, والفكر ينصب فيما فيه الأمة من مصائب, ومع ذلك فلا يزال في القلب حيّز للفرح والسرور, وفي الشفاه متسع للطرفة والابتسامة. إن الدموع التي تسكبها عيون المودعين لرمضان، مابين غروب الشمس وشروقها تتحول من دموع حزن، إلى دموع فرح بالعيد، فهذا يلقى هذا، وهذا يعانق هذا، وهذا يهنئ هذا، وذاك يضحك، وذاك يمزح، وهذا يمرح، ومهما يكن من جراح في الأمة وإنها لفرصة سانحة أن أرفع التهاني إلى القيادة الحكيمة، وإلى الشعب السعودي خاصة، والأمة عامة، بحلول عيد الفطر المبارك. وأخص صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بالتهنئة بالنعمتين ولاية العهد، وعيد الفطر، وأجدد حبي له والسمع والطاعة، في المنشط والمكره، والدعاء له بالتوفيق والسداد، وأن يمده الله تعالى بعونه وحفظه. ولعل هذه التغيرات والتحولات من المبشرات, ومن الخير الذي يتدارك الله به الوطن والأمة في مثل هذا الوقت. ياساهر الطرف في هم وفي حَزَنٍ حليفَ وجدٍ ووسواسٍ وبلبالِ لاتيأسنّ فإن الهم منفرجٌ والدهر مابينَ إدبارٍ وإقبالِ أما سمعتَ ببيتٍ قَد جرَى مثلًا ولا يقاس بأشباهٍ وأشكالِ مابينَ رقدةِ عَينٍ وانتباهتها يُقَلّبُ الدّهرُ مِن حالٍ إلى حالِ وصدق والله ذلك الأعرابي، فلن نعدم من رب يضحك خيرًا، هذا والله من وراء القصد.