يعمد بعض الشعراء عند الرغبة في إظهار الحزن لفراق رمضان والأسف على رحيله، إلى مناجاة رمضان كما يناجي الحبيب حبيبه، فلا تكاد تحس فرقا بين شعر يخاطب رمضان أو الحبيبة. يقول أحدهم: يا راحلا وجميل الصبر يتبعه هل من سبيل إلى لقياك يتفق ما أنصفتك دموعي وهي دامية إلا وفى لك قلبي، وهو يحترق من يصدق أن المخاطب شهر رمضان!!! إن الأقرب إلى الذهن أن يكون المخاطب الحبيب وليس الشهر، لكن بعض الشعراء يتعمدون مماهاة شهر رمضان في صورة الحبيب فيتغنون بذكره كما يتغنون بذكر من يهوون، مثل: فيا شهر لا تبعد، لك الخير كله،، فأنت (ربيع الوصل)، يا طيب مرعاه!! ومثل: مضى رمضان، أو كأني به مضى وغاب سناه بعد ما كان أومضا فياليت شعري إذ نوى غربة النوى أبالسخط عنا قد تولى أم الرضا؟ ومثل: خير الوداع لشهر رمضان هل بعد بينك كان من (سلوان) فعلى فراقه سال دمع عيوننا فوق الخدود كهاطل هتان إن تعبيرات مثل (ربيع الوصل)، (السلوان)، (السخط والرضا)، (غربة النوى) (الدموع الدامية)، (اللقيا)، (الصبر) وما شابهها، هي من التعبيرات التي يكثر ورودها عند الشعراء في مناجاة الحبيب، لكن هؤلاء الشعراء استعاروها لمناجاة شهر رمضان. لم يفعلون ذلك؟ إن المتوقع أن تكون المشاعر تجاه رمضان تختلف عن المشاعر تجاه الحبيبة، وبالتالي يتوقع أن تكون مخاطبة كل منهما مختلفة عن الآخر، فلم يتعمد هؤلاء الشعراء مخاطبة رمضان خطاب العاشق لمعشوقته؟ هل هو نوع من المبالغة التي تهدف إلى إقناع الآخرين بفرط المحبة لرمضان كدليل على التقوى وشدة التدين؟ أم هم يفعلون ذلك لأنهم في واقع حياتهم يعيشون حالة حب تنبض به قلوبهم وتكنه صدورهم، لكنهم يتحاشون الإفصاح عن مشاعرهم تلك خشية أن يتهموا بالفسوق أو أن تنزع عنهم صفة (الرزانة) التي يتشبثون بها، فيتحايلون على نفث ما يجيش داخلهم من مشاعر الهوى بالتخفي وراء رمضان، يرون في اسمه، الحبيبة التي يكرهون غيابها ويخشون هجرها ويحزنهم بعدهم عنها، فينفثون باسم رمضان كل ما اضطربت به جوانحهم من لواعج الحب؟.