بعد مُضي عقود من الزمان على نيل الدول العربية الاستقلال إثر الاستعمار الأجنبي وما تبِعه من معاهدات واتفاقيات، انقسمت الدول العربية والإسلامية في أنظمة الحكم إلى نظامين الأول منها الحكم الملكي والثاني الحكم الجمهوري، وقد سادت هذهِ الأنظمة الشعوب العربية – الإسلامية لعدة عقود وقرون من الزمن، وما إن قارنا بين النظامين يجدر بنا أن نرى الحكم الملكي قد نجح مقارنة بالحكم الجمهوري. فالأنظمة الجمهورية عند بعض الدول العربية " الجمهورية " أصبحت صورة مُصغّرة عن الأنظمة الملكية من ناحية التوريث، فيما تمرس بعضها في الديكتاتورية، ولك في سوريا أقرب مثال حينما ورث الحكم بشار الأسد بعد وفاة والده حافظ الأسد وتمسك بالحكم رغم ثورة الشعب التي دامت ست سنوات وإلى وقتنا الحاضر لم يتنحَّ عن الحكم، أين الحكم الجمهوري الذي يتغنى بالديمقراطية؟ لقد أفسد بعض العرب بشكل خاص مفهوم الدستور والقانون والديمقراطية لقد أصبحت بعض الأنظمة الجمهورية أشبه بغطاء أمام الدول الغربية أما ما تحت الغطاء فهي أنظمة مُستبدة!! ويظل السؤال الذي لا مفرّ منه، لماذا وصلت بعض الحكومات العربية والإسلامية إلى أدنى درجات الانحطاط الحضاري في عدة نواح وعلى هرمها السياسة؟ إن ما يحدث اليوم في عالمنا العربي والإسلامي من تأخر في الأنظمة السياسية ما هو إلا نتاج لخلط الدين بالسياسة، ولا نقصد الدين النزيه المُقدّس؛ بل الذين عمِدوا لأدلجة الدين وتحويله إلى أداة في الصراع الاجتماعي والسياسي؛ بغية الوصول إلى نفوذ أو سُلطة ما.. إن هذا السؤال ليس تهميشاً للعرب والمسلمين أو استنقاصا لهم؛ بل اجابته ستكون اعترافا لسبب كل الأزمات الدولية التي يشهدها العالم الإسلامي الآن، والاعتراف بالمشكلة هو جُزء من حلها، لماذا تأخرنا حضارياً بينما لدينا حضارة إسلامية لا يُستهان بها؟ لماذا التأخُر ونحن نملك أدمغة وثروة اقتصادية تُضاهي الأمم الأخرى؟ بينما لو قارنا الدول الغربية نجد هناك اختلافا جذريا من ناحية التطور بكافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إن دارسي التاريخ والحضارة يعلمون جيدا أن التاريخ الأوروبي وأيضا تاريخ الديانات بشكل عام، مُشابه لما نُعاصره الآن مع اختلاف البقعة الجغرافية والعرقية وبعض السِمات، لقد مرّ على التاريخ الأوروبي ما هو أشد مما نُعاصره الآن في عالمنا العربي من تخلف وسطحية ونظام قمعي أساء للإنسانية، كان من أبرز أسبابها هو أدلجة الدين وخلطه بالسياسة، واتخاذه ذريعة للسيطرة على أي شعب أو رقعة جغرافية ولنا في الحملات الصليبية الشهيرة في التاريخ الإسلامي الوسيط شواهد عدة برهنت للمؤرخين أنها كانت حملات سياسية لدواعٍ اقتصادية جاءت بغطاء ديني بحت. إن ما يحدث اليوم في عالمنا العربي والإسلامي من تأخر في الأنظمة السياسية ما هو إلا نتاج لخلط الدين بالسياسة، ولا نقصد الدين النزيه المُقدّس؛ بل الذين عمِدوا لأدلجة الدين وتحويله إلى أداة في الصراع الاجتماعي والسياسي؛ بغية الوصول إلى نفوذ أو سُلطة ما، وكل أيدلوجية جاءت بغطاء ديني هي بدورها تنفي الديمقراطية للفرد، كما أن هذه الأيدلوجية قد عارضت بعض الأنظمة السياسية العربية – الإسلامية التي تعتني بقيام علاقات دولية مع مختلف بُلدن العالم من الديانات المختلفة لتحقيق مكاسب تنموية وثقافية وغيرها. ولنا بالتجربة الإيرانية التي كان "المهدي" رمزا لها - خير بُرهان - فلقد عبّرت الثورة الإيرانية عام 1979م عن نفسها مستخدمةً لغة الإسلام، أي قدمت نفسها باعتبارها حركة دينية فهي ناقدة لسياسة الشاه بهلوي المُنفتحة نحو الغرب بما فيها الولاياتالمتحدة الأميركية، وعبّرت عن خطط النظام الجديد في إطار إسلامي، فقد كان الثوريون الإيرانيون المسلمون ينظرون إلى نشأة الإسلام كنهج يهتدون به ويرون أنفسهم يخوضون صراعًا ضد بلاد الكُفر، مهما كانت ديانته فهم لا يرون مُعتنقي الديانات الأخرى "أهل الكتاب" كما نزل في القران الكريم بل يرونهم كُفّار. وللخوض في أيديولوجية الخميني، فقد كانت كما يعتقد هو أنها جاءت على الشريعة الإسلامية، والحقيقة جاءت بقالب يساري، مُشبعة بالقمعية والدموية، حتى أنها قضت على الإنسانية وقد عانى الشعب الإيراني ذاته من هذا المزج بين الدين والسياسة، ومن المؤسف أن هذه الإيدلوجية قد تسببت بمقتل مئات الألوف وتشريد ملايين المسلمين في الوطن العربي خاصةً، وعبثت بأمن عدة دول عربية بشكل جذري من بينها لبنان واليمن وسورية والعراق، بينما لم تستطع أن تحقق ثمار محاولات عبثها في دولتين هما، المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين بغض النظر عما حصل في هاتين الدولتين من أعمال إرهابية استهدفت أمن المواطنين بها، وقد جاءت طريقة المزج عبر عدة تنظيمات تدّعي أنها تحكم باسم الدين وأن سياستها مستوحاة من الدين المقدس الذي كان القرآن الكريم رمزا له وما هم بصادقين؛ بل هم مُفترون على الدين، وأشد عِداء لإعمار الأرض والسِلم والمجتمع الإنساني، لذلك نرى للدين قُدسيته التي لا يجب بنا أن نخلط بهذه القُدسية النظام السياسي حتى لا نُعيد زمن أوروبا في العصور القديمة، بل إنه عاد. لقد أصابتنا العدوى أسوةً بالديانات الأُخرى، فأدلجة الدين موجودة منذ العصور القديمة حتى الوسيطة وما نتج عنها من تنظيمات مُتطرّفة قاد لواءها على سبيل المثال: السيكاريون في الديانة اليهودية وكُل من متطرفي المذهبين المسيحيين الكاثوليك والبروستانت، فالعدوى لا تتضح إلا بعد مرور زمن مهما طال أو قصر وكان عدم استقرار ومعرفة ماهية التمدُّن لبعض ساسة الدول الإسلامية، سببا لانتشار عدوى الأفكار المُتطرفة التي جاءت بقالب ديني وتُنادي بخلط الدين بالسياسة، كما كانت الهيمنة والسُلطة هي النقطة الحساسة من المرض لهم. إن مثل هؤلاء يشبهون السحرة فهم يلعبون دورا سياسيا واجتماعيا ودينيا وأيضا يتنبؤون للقطيع الذي يتبعهم " بالجنان وحور العين " ويعتمد ذلك على ماهية العمل الإجرامي الذي يتبناه أحد القطيع، إننا أمام مُنعطف خطر يقود بعض الأنظمة السياسية العربية – الإسلامية نحو المجهول، إن حضارتنا تتعرض للتشويه والتأخر وقد آن الوقت أن نرتقي أسوة بالأمم الأخرى قبل أن تنتشر هذه العدوى للأجيال المُقبلة.