رغم المقاطعة التي فرضتها كل من المملكة والإمارات ومصر والبحرين وليبيا واليمن على قطر، فإن الأخيرة رفضت حتى الآن التنازل عن سياستها الخارجية، وهو ما يؤجج الأزمة، في ظل انحراف الدوحة عن الخط العربي والاتجاه إلى الاستعانة بأعداء المنطقة كعادتها.. وفي قراءة لآخر تطورات المشهد الحالي التقت «الرياض» اللواء أركان حرب حمدي بخيت، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري.. وإلى نص الحوار: * بداية.. ما تعليقك على المكالمات المسربة مؤخرا بين مستشار أمير قطر والمعارضة البحرينية بهدف إثارة الفوضى في البحرين؟ -لا نعتبر هذا مفاجئاً، لأن قطر تعاملت مع كل العملاء ضد بلدانهم، تعاملت مع سوريين وعراقيين وليبيين وعناصر إرهابية، وهذا ليس مستغربا أو جديداً، ولكنها تشكل وثيقة أو دليلا دامغا ضد الإدارة القطرية على ممارساتها، قطر تتصل بقيادات التنظيمات الإرهابية والقيادات في سورية وليبيا وكذلك في البحرين، لتصدير حالة من عدم الاستقرار وتحريض فئات ومحاولة إيجاد نوع من المناخ الذي تعمل فيه هذه القيادات ضد دولهم، ومن الممكن أن توفر لهم الدعم المادي، مثلما صرفت 46 مليار دولار في هذا الاتجاه. * من وجهة نظرك.. كيف ترى التوقيت لمثل هذا القرار العربي بقطع العلاقات مع قطر؟ * القرار تأخر كثيرا، لكن يبدو أن المفاجأة فيه هي التي جعلت العالم كله يشعر بتأثيره، وكان يوجد نداءات عديدة في الشارع المصري تقول إنه يجب اتخاذ موقف ضد هذه الدولة، ونجحت مصر في التنسيق مع أهم مركز ثقل يؤثر على قطر وهي القوى الكبرى في مجلس التعاون الخليجي مثل المملكة العربية السعودية والإمارات وتنضم إليهم البحرين. * كيف هددت قطر وتحالفاتها الخبيثة أمن المنطقة؟ * لعبت قطر دوراً سلبياً كبيراً ضد الأمن القومي العربي، واخترقت المعادلة في القضية الفلسطينية التي تعتبر أهم قضايا الصراع «العربي الإسرائيلي» بعلاقات دافئة جداً مع الجانب الإسرائيلي على حساب اتحاد «فتح» مع «حماس»، وكانت قطر تمول «فتح» للتمرد على «حماس»، وكانت دائما ما تُفشل أي اتفاق بين الجانبين يجعل القدرة الفلسطينية قدرة موحدة وقادرة على الجلوس على مائدة المفاوضات، واخترقت الملف اليمني بتشجيع الحوثيين وتنمية قدرات الشمال ضد الجنوب والجنوب ضد الشمال، وكان هذا ملفا قذرا جداً ضد أمن المملكة العربية السعودية وضد أمن الخليج، لأنه من المعروف أن الحوثيين هم البذرة الزيدية التي تتعاون مع إيران. كذلك اخترقت قطر ملف الاستقرار في العراق وفي سورية، ومولت ما يدعونه فصائل المقاومة والفصائل الشعبية والجيش السوري الحر وكل عناصر ألوان الإرهاب على الأرض السورية، وبالتالي أوجدت «خميرة» كبيرة جداً لانتشار داعش في المنطقة، لأن سورية أصبحت خريطة متفرقة متجزئة، وكذلك في العراق دعمت قطر مع تركيا وجود داعش في شمال غرب العراق وفي شمال شرق سورية لكي تخلق إقليما جديدا متصلا بالإقليم الكردي ومتصلا بالأكراد في منطقة جنوبتركيا، واخترقت الملف الليبي بالمساعدة في ترحيل الهاربين من نيران داعش في الموصل وغيرها إلى ليبيا والتمركز فيها، واخترقت قطر ملفات كبيرة في الأمن القومي العربي وبالتالي باتت أحد العناصر المتمردة في المنطقة وتدل على معالم الدولة المارقة، قطر دفعت عشرات المليارات وتقترب إلى مئات المليارات في استهلاك إمكانيات وقدرات وثروة الشعب القطري في الصرف على ما تسعى إليه في الحصول على نفوذ سياسي لدولة صغيرة من حيث كتلتها الحيوية، فلا مساحتها ولا عدد سكانها ولا قدراتها الجيوستراتيجية تسمح لها بلعب هذا الدور، قطر بَنت تحالفات مشبوهة مع قوى متعددة إقليمية تناهض الاستقرار في العالم العربي وفي منطقة الخليج، منها اللعب على ملفات الأمن القومي لصالح قوى إقليمية أخرى متصارعة منها تركياوإيران وإسرائيل، ولعبت قطر دوراً مريبا في العمل الاستخباراتي في مجال حرب المعلومات والتأسيس لما يعرف بثورات الربيع العربي التي أدت إلى تقسيم الخريطة السورية والليبية واليمنية إلى مناطق صراعات، ومحاولة التدخل في سيناء ودعم حماس وجماعة الإخوان في تنفيذ أعمال إرهابية كبيرة، وأصبحت قطر كتلة من الشر المستطير ونقطة سوداء على الخريطة العربية آوت كل الهاربين من كل الدول العربية. * لم نرَ أي تنافس في المواقف بين أميركا وروسيا بخصوص قطر.. تحليلك للموقف؟ -أرى أن التنافس بدأ على معادلة العلاقة «السورية الإيرانية الروسية»، وبدأت تدخل قطر في هذه المنظومة، بناء على مصالح تحميها أو توجد لها النفوذ السياسي في مرحلة ما، وبالتالي قطر بَنت العلاقات مع إيران على أنها أحد سيناريوهات المرحلة القادمة، وبالتالي هذا السيناريو يعمل الآن، وهو سيناريو الاستقواء بقوة إقليمية متمردة تعمل ضد العالم العربي لصالح تقسيمه، أحدهم يعمل لصالح روسيا مثل إيران، وأحدهم يعمل لصالح الغرب مثل تركيا، وبعضهم يعمل لصالح إسرائيل والقوى التابعة لها في القارة الأوروبية وغيرها، إذن قطر وضعت نفسها في هذه المعادلة كوسيط لهذه القوى تسهل أعمالهم وتقوم بمهام مدبرة لصالحهم. وبالفعل بدأت أعمال من روسيا تؤيد الدور الإيراني لدعم قطر، وهذا معناه أن روسيا متضامنة مع هذا الموقف، ولن تخرج روسيا من المعادلة، وستكون غبية سياسيا لو تركت «الكعكة» في هذه المنطقة دون تدخل، روسيا موجودة في سورية وليبيا وفي وجود جديد بمنطقة الخليج سهلته قطر، روسيا موجودة في كل المعادلات التي نتحسب إليها، وقد يقرأ هذا على أنه نوع من الاتزان في الصراع، ولكن يقرأ أيضا على أنه نوع من الاستقواء بقوى خارجية ضد منطقة الخليج وضد العالم العربي. * هل تملك الدول العربية أدلة كافية لإدانة قطر؟ * مصر لديها أدلة كثيرة، والدول العربية مثل المملكة والإمارات والبحرين واليمن جميعها تملك أدلة، وإلا لم تكن تقدم على خطوة قطع العلاقات، فعندما تستدعي سفيرا وتبلغه بالرحيل لأنه ضد الأمن القومي لهذا البلد، لابد من اطلاعه على هذه الأدلة. * كيف تصف إعلان الدول العربية قائمة تحمل أسماء 59 شخصية و12 كياناً قطرياً وإدراجهم على قوائم الإرهاب؟ أرى أن هناك قائمة أكبر منها، ولكن هذه هي القائمة الموثقة التي تحمل أدلة، وإذا بحثنا في الحقيقة سنجد لاعبين كرة وفنانين وشخصيات مجتمع وإعلاميين وشخصيات عامة كثيرة جداً داعمين لقطر وبالتالي داعمين للإرهاب، وكذلك المنظمات، فهناك من يحصلون على تمويلات من قطر تحت مسميات تبدو للعالم كشرعية، إذن الدول عندما تتحدث يجب أن تتحدث بمعلومات موثقة ومؤكدة لأنه مجتمع دولي لا يوجد به عبث، وبالتالي أنا أنظر للقائمة على أنها جزء يسير جدا من شخصيات كثيرة تورطت مع قطر. * ما تعليقك على استمرار تواجد هذه الشخصيات العامة في قطر بعد الأزمة الراهنة؟ * إصرارا على نفس الموقف، ودعما لنفس الموقف ويؤكد تورطهم، لأن العميل بعد تجنيده لا يتمكن من العودة مرة أخرى. * وكيف ترى التدخل الإيراني في الموقف؟ * التدخل في الموقف لم يعد تدخلا في إطار حرب تقليدية، التدخل أصبح يتم بأسلوب حرب المعلومات وأحد عناصرها حرب الاستخبارات، والعبرة ليست في التدخل الإيراني، العبرة في دور القوى الكبرى في الحفاظ على اتزان المنطقة، ولن تسعى القوى الكبرى للحفاظ على الهدوء والاستقرار في المنطقة؛ لأن هذا من صالح أمن وسلامة إسرائيل الذي يقع في قمة أولوياتها، إذن على دول المنطقة أن تسعى لوضع الاستقرار بيدها لصالح مصالحها، مثل الموقف مع قطر. * وما هو موقف إسرائيل؟ * إسرائيل مستمتعة منذ 2011م لما يجري في المنطقة، وتنعم به بكل الوسائل، دول تنهار اقتصاديا وهي تعلو اقتصاديا، دول تنهار أمنيا وهي مستقرة أمنيا، دول تتجزأ خريطتها في صراع داخلي وجيشها يهلك وهي جيشها ينمو، دول لا تحقق أي نوع من النمو وهي تحقق النمو في كل المجالات وناعمة بالهدوء على كافة الحدود، دول داخلها خونة ومأجورون ضد دولهم ويقومون بهذا الدور لصالح إسرائيل دون أن تدفع إسرائيل بعنصر واحد للقيام بهذا العمل سوى عناصر الاستخبارات التي تجوب المنطقة بالكامل، إذاً إسرائيل في قمة سعادتها أنها تجني بلا ثمن. * كيف ترى تصرف المملكة الحكيم في التعامل مع المعتمرين القطريين؟ * البعد الإنساني والديني لا تدخل فيه، ولكن ذلك سيكلف السعودية إجراءات أمنية مشددة، مثلما حدث عند توتر العلاقات السعودية الإيرانية، لأن إيران دولة غير مأمونة ويمكن أن تستغل العبادات والشرائع، ولا يمكن أن ننسى هجوم إيران على البيت الحرام في الثمانينيات، إذاً الشبهة موجودة وبما أن التاريخ ينطق بشبهة فلا مانع أن تحدث مرة أخرى، لأن الأنظمة مع بداية انهيارها تبدأ باللعب بكل الأوراق القذرة. * إلى أين هذه الأزمة.. وما الحل؟ * هناك 3 سيناريوهات أمام قطر، الأول هو استقواء قطر بدول مارقة مثل تركياوإيران وإسرائيل في المنطقة تسعى إلى تفتيت المنطقة وتحويلها إلى حروب وامتصاص ثرواتها، الثاني ستستغل الأسرة الحاكمة الموقف في استبدال الشخصيات على أساس أن يوحي ذلك بأنها ستبدل سياساتها مع بعض الإجراءات التي تحاول بها خداع المنطقة بأنها باتت لا تنتهج هذه السياسات حفاظا على سلالة الحكم، والسيناريو الثالث وجود حراك داخلي يدعمه القادة أو زعماء قطريون منفيون في الخارج، وهو ما يسبب نوعا من الهياج الداخلي وعدم الاستقرار، وأنا أعتبر أن السيناريو الأول قد بدأ، والموضوع بات معقدا ولكن على الدول العربية أن تستمر في هذه المقاطعة التي تزيد يوماً بعد الآخر. * هل ستضطر قطر للموافقة على شروط الدول العربية مع كل هذا الضغط عليها؟ * كل السيناريوهات لا تظهر أن قطر سترضخ رضوخا مباشراً، وإذا رضخت سترضخ رضوخا به مواربة وملاوعة وخداع، بتغيير الحاكم والادعاء بتغيير السياسات، في النهاية قطر مازالت لم تظهر ولا يوجد على المدى القريب أن لديها النية بالتغيير، وستتغير عندما يتكاتف العالم كله لمحاربة الإرهاب. * هل ترى أن قطر تعيش «رقصة المذبوح» الآن؟ * قطر في حالة ترقب للمجهول، لأن المصير ليس بيدها، ولكنه بيد قوى إقليمية مارقة هي تحالفت معها ويمكن أن تبيعها في أي موقف ثمناً لأي شيء، وقطر أداة يمكن استخدامها في وقت ويمكن إلقاؤها في وقت آخر.