للمهاتما غاندي، الكثير من القصص والدروس والحكم التي تناقلتها وتأثرت بها الأجيال على مر العصور. في طفولتي المبكرة، قرأت قصة ملهمة لغاندي، كانت السبب في شغفي المستمر بمعرفة كل شيء عن هذه الأيقونة الملهمة. لقد عانى غاندي كثيراً -بل الشعب الهندي بأكمله- من الاستعمار البريطاني البغيض الذي حكم وطنه الهند تسعة قرون "1858-1947". كان غاندي وبعض الهنود البسطاء ينتظرون على الرصيف للصعود للقطار، ولكنهم قضوا الساعات الطوال دون أن يقف لهم أي قطار يمر بتلك المحطة، حيث كانت هيئة السكك الحديدية البريطانية لا تسمح للقطارات بالتوقف في أية محطة لا يوجد بها بعض المسافرين البيض الذين يُريدون الصعود أو مغادرة القطار. وفي حالة عدم وجود أشخاص من البيض في المحطة، فقد كان القطار يمر دون أن يتوقف، وكان على الهنود سواء مسنّين أو شباب أن يصعدوا القطار وهو يسير. بينما الشاب غاندي يتسلق القطار المتحرك وسط المئات من الهنود الذين يتصارعون من أجل الحصول على فرصة لصعود القطار، وقعت فردة من حذائه، وعندما حاول أن يلتقطها، انزلقت على القضبان. فما كان منه إلا أن القى بسرعة فردة حذائه الأخرى بالقرب من المكان الذي وقعت فيه الفردة الأولى. وحينما سأله أحد الأشخاص، والذي أصابته الحيرة نتيجة تصرف غاندي الغريب، فسّر له الأمر مبستماً: "حسناً، إذا عثر شخص ما على فردة حذائي فسيجد الأخرى أيضاً، وبذلك سيكون لديه زوج جيد من الأحذية، أما فردة واحدة فإنها لن تُفيدني أو تُسعد من سيجدها". لا أعرف حجم تأثير هذه القصة على من يقرأها أو يسمعها لأول مرة، بل وفي كل مرة، ولكنني على ثقة تامة، بأنها ستسكن صندوق مشاعره للأبد. وهنا، لابد من هذا السؤال: ماذا لو كنت عزيزي القارئ في مكان غاندي؟، كيف ستتصرف؟، هل كنت ستُلقي بفردة حذائك الأخرى، أم ستحتفظ بفردة لا فائدة منها؟، وهل ستقضي مدة تلك الرحلة الطويلة تلعن حظك وتشكو قدرك؟، وهل ستشعر بالسعادة لأنك أسعدت غيرك؟. في هذه الحياة المزدحمة بمحطات الألم والخيبة والخسارة، نحن أمام خيارين: عزف سيمفونية اليأس والإحباط والفشل، أو مواصلة الطريق بكل عزيمة وإصرار ونضال. للأسف الشديد، نحن نتوقف عند أول محطة في حياتنا بعد أن غادرنا الأمل، ونحن لا نُشاهد إلا تلك السماء الحالكة السواد ولا نلتفت لبعض النجوم المضيئة. نُركز على ما فاتنا أو ما خسرناه، فنفقد الرغبة والأمل في صناعة أحلامنا وطموحاتنا. حينما نفقد شيئاً من ممتلكاتنا أو رغباتنا، لابد لنا أن نؤمن بذواتنا وقدراتنا، وكيف نحول خيباتنا وعثراتنا إلى "مصل مناعة" يحمينا لكي لا نقع مرة أخرى. وهناك درس آخر، لابد من تعلمه مبكراً، وهو أن نؤمن جيداً بأن بعض خسائرنا المادية أو المعنوية قد تكون من أجل سعادة أناس آخرين، فتلك هي الحياة، دورة تكاملية يُشارك فيها كل البشر، كل على قدر عطائه. نعم، العطاء هو أجمل صفة يملكها البشر. ففردة حذاء أخرى، لم تُسعد طفلا مشردا تورّمت قدماه من قساوة وحرارة الأرض، ولكنها جلبت السعادة الحقيقية لغاندي. السعادة ليست باهظة الثمن، بل على العكس تماماً، فقد تُساوي فردة حذاء مستعمل.