يُحكى أن غاندي كان يجري للحاق بقطار، وقد بدأ القطار في السير، وعند صعوده القطار، سقطت إحدى فردتي حذائه «أعزكم الله»، وبما أنه لم يعد يستطيع النزول مرة أخرى لاسترداد فردته، ما كان منه إلا أن خلع الفردة الثانية، ورماها بجوار الفردة الأولى على رصيف محطة القطار! فتعجب أصدقاؤه وسألوه باستعجال: «ما حملك على ما فعلت؟ لماذا رميت فردة الحذاء الأخرى؟» فقال بكل حكمة، وبابتسامته المعروفة: «أحببت للفقير الذي يجد الحذاء على الرصيف، أن يجد فردتين فيستطيع الانتفاع بهما! فلو وجد فردة واحدة فلن تفيده! وفردة واحدة لن تفيدني أيضاً!» موقف لغاندي يرسم صورة انسانية رائعة، ذات نظرة ثاقبة، ودرس استراتيجي بعيد المدى، خالٍ من الأنانية الدنيئة، وبريء من حب التملك الذي يعمي المجتمعات الحالية. هذا بالرغم من المحن التي كان يعيشها غاندي بشكل خاص، والهنود بشكل عام آنذاك. غاندي «وأمثاله من نبلاء الفكر وحكماء القرون الماضية» يدرك أنه إذا فاته شيء أو رزق، فإنه ذاهب لا محالة إلى غيره، فمن الرقي الروحي، أن يفرح لفرح الآخرين، وألا يحزن على ما فاته، وأن رزقه المكتوب له سيأتيه لا محالة، ولأن الحزن والتحسر على ما فقد، لا يرده له، مهما فرك صدره قهراً وندماً. فكم هو جميل أن نمتلك من الفكر والقناعة ما يحول المحن التي تعترض حياتنا إلى منح وعطاء، وننظر إلى الحياة ككأس من الماء، نصفه مملوء، ونصفه الآخر فارغ. فنتمتع بنصفه المملوء، ونعمل لملء الفارغ. في عصرنا الحالي، يكنز الواحد منّا من الثياب، ما يكفي لكسوة قرية كاملة، وإذا جاءه من ينصحه لإخراج بعض ثيابه للفقراء والمساكين، استكثرها عليهم، وقال في نفسه: لا... هذه بِدَل لها ذكريات! وهذه مجموعة ألبسها وقت المطر! وهذه مجموعة ضيقة، ولكنني سأعمل على إنزال وزني وسأحتاجها، وهذه مجموعة مثقوبة، ولكنها غالية السعر، وليس من المناسب أن يلبسها «فقير أو مسكين»، وسأرسلها للخياط «وفي روابة، الترزي» لإصلاحه، وهذه واسعة، وقد أسمن وأحتاجها... وهذه وهذه وهذه...! وينتهي به الأمر، أن يبني غرفة ملابس إضافية ليكنز فيها من الثياب ما يكفي قرية أخرى... وهذا يسري على باقي الأمور، من سيارات وأثاث وأجهزة! الناس أصبحوا يكرهون لغيرهم ما يحبونه لأنفسهم، بل وهناك شريحة، يحبون لغيرهم ما يكرهونه لأنفسهم! لدرجة أن بعض الناس قد يكرهون شيئاً ما طالما هو معهم ولهم، وبمجرد انتقال ملكيته للآخرين، أصبحوا ينظرون لهذا الشيء من جديد، وكأنه لم يكن معهم طيلة شهور أو سنين... طمع، وجشع وحسد، يظن ضعيف الإيمان أن يوم القيامة سيبكّر بسبب هذه المشاعر المريضة الحسودة الجشعة. فمن الطبيعي أن يتحاسد الأغنياء، أو يتحاسد الفقراء، ولكن من الفظاعة والشناعة والبشاعة أن يحسد الغني الفقير، على الفتات... الله المستعان. محمد المسحل