منذ قديم الزمن والناس تتداول منتجاتها ومصنوعاتها وتقايض بها وتبيعها، وفي الفنون التشكيلية من رسم وتلوين ونحت ومشغولات معدنية وخشبية وخزفية وملبوسات وخلافه كانت تتم عمليات البيع والشراء شأنها شأن بقية المنتجات، وكانت الكنيسة وسلطة الحاكم تمنح الفنانين مكافآت أو مبالغ مقطوعة مقابل رسم مواضيع دينية على جدران أسقف الكنائس أو مواضيع وطنية على حوائط القصور مباشرة. ومع ظهور اللوحات المشدودة على إطار والتي تعلّق على الجدران ويمكن حملها ونقلها بدأ البيع الحقيقي لمرة واحدة أو عدة مرات وظهور محلات متخصصة لبيع التحف واللوحات، يُذكر أن الفنان الهولندي رامبرانت 1606-1669م هو أول من سعّر لوحاته. يرجع الفضل لنابليون بونابرت عندما أنشأ الإمبراطورية الفرنسية دعم الفنانين التأثيريين والحراك الفني والفلسفي والثقافي لإيمانه بقوتها الناعمة في تشكيل حضارة المجتمع الفرنسي على جميع المستويات، وفيها ظهرت طبقة ثرية تقتني أهم الأعمال الفنية والمجوهرات والنفائس وتجلب من خلال الاستعمار نفائس المشغولات والتحف والآثار من الدول التي احتلوها. وفي بريطانيا اجتمع أصحاب محلات بيع اللوحات والتحف في القرن السابع عشر لتنظيم السوق نتج عنها بعقود تدشين أكبر صالتي مزاد عالمية سوثبي عام 1744م وكريستي 1766م ولهما فروع في عدة دول وشهدت تضاعفا لإيراداتها وصلت للمليارات خلال هذا العقد. بقراءة كتب التاريخ الفني الإسلامي نجد أن الحضارة العربية والإسلامية كان لها إنتاج فني ضخم جدا ممكن مشاهدته في قصور الحضارة الأندلسية مما يبرهن وجود حركة فنية وسوق للفن يدعم الأيادي الماهرة ويبحث عن الإبداع والجودة في الإنتاج. في المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج العربي يعتبر الحراك التشكيلي حديثا نسبيا، ومع ذلك ظهر فنانون تشكيليون ذكورا وإناثا أسسوا الحركة الفنية في الستينيات الميلادية ومنها بدأت تظهر الصالات الفنية مع الثمانينيات وتعرض المعارض الشخصية والجماعية في عدة مدن في السعودية، وجاءت عدة مشروعات حكومية كان من شأنها رفع مستوى وسعر أعمال الفنان التشكيلي السعودي مثل مشروعات تجميل المطارات وتجميل المدن وأهمها جدة ومباني الحرس الوطني ومشروع الخزن وغيرها، ووازى ذلك طلب بعض المنشآت الخاصة مثل الفنادق والشركات والبنوك وغيرها، كما ظهرت عدة شخصيات اعتبارية تهوى الفن واقتناء أعمال الفنانين الموهوبين فعلا مما صنع سوقا حقيقيا للفن التشكيلي في السعودية. برغم كل السلبيات التي يعاني منها الفنانون والغالريات ما زال الشرق الأوسط عموما هو السوق الأقوى في الإنتاج الفني ويليه سوق أفريقيا الوسطى حيث وصل الارتفاع ل +40,7% كما تشير الخريطة. كما ذكرت هذه التقارير أن نسبة مقتني الاعمال والتحف بين زوار المعارض الفنية وصالات المزاد الكبرى ارتفع منذ الثمانينيات من 10% ل 80% في 2016، ولاحظت وجود مشترين كبار جدد من دول مثل روسيا والصين وكوريا والمكسيك والهند وباكستان. إجمالا يتبع قطاع سوق الفن التشكيلي بقية ما يحصل في بقية قطاعات الاقتصاد الكلي مثل سعر العملة وقوة وضعف البورصات المحلية، كما يلعب فيه عوامل مهمة مثل ندرة وجودة العمل الفني واسم الفنان ومكانته وتغير الأذواق العامة وآراء الخبراء وحكم النقاد. لكن المهم فيه هو ضرورة زرع ثقافة الاقتناء لجميع شرائح المجتمع والشركات والأجهزة الحكومية والجامعات والمتاحف المحلية؛ حيث إن اقتناء العمل الفني له دور جمالي ووجداني واجتماعي لا يشعر به سوى من يقتني روائع ونفائس الإنتاج الإنساني الفريد، علاوة على العائد الربحي الذي يصعب تنبؤه غالباً، لكن يذكر أن الممثل الانجليزي هيوقرانت اشترى لوحة لآندي وارهوا في 2001 ب 3,4 ملايين دولار باعها مؤخرا ب 23,5 مليون دولار. * فنان وناقد فني