يتعاظم خطر الحركة الحوثية الطائفية ليس على المجالات السياسية والاجتماعية وحسب، بل إن الحوثية مثلت خطراً حقيقيا على الزيدية كمذهب. وقد أثار تصاعد خطر الحوثية - الخمينية الناشئة - تساؤلات عديدة في الأوساط السياسية والثقافية والاجتماعية اليمنية والعربية، وما إذا كانت الحركة الحوثية تمثل المذهب الزيدي أم تتصادم معه وهل هي حركة سياسية أم مذهبية، وكيف اخترقت المذهب الزيدي ومحاولة تحويله من مذهب إلى حركة تتبنى ولاية الفقيه المستوردة إيرانيا ؟ الوثيقة الفكرية تجيب الحركة الحوثية نفسها عن تلك التساؤلات وعلامات الاستفهام تلك من خلال أفكارها الطائفية وممارساتها الواقعية فضلا عن ما سميت "الوثيقة الفكرية الحوثية" الشهيرة التي نشرها الحوثيون خلال اجتماع ضم قادة الحركة في العام 2012م. الوثيقة كانت محاولة لتحويث الزيدية واحتكار تمثيلها وتأطيرها كطائفة تمثل نظيراً للخمينية الإيرانية، وقد حذر المراقبين من خطورة تلك الوثيقة ومحاولة تطييف الزيدية واختزالها في حركة طائفية مرتبطة عضويا ووظيفيا بالخمينية، كما أن محاولة الحوثية تسيس وتطييف "الزيدية" واحتكارها في الحركة وسلالة الحوثيين، ساهم في جعلها تصير سبباً للحروب التي خاضتها المليشيات الحوثية منذ سنوات ضد الحكومة المركزية ولا تزال الحركة تخوض حربها وقد توجتها بانقلاب على السلطة الشرعية في سبتمبر من العام 2014، واعتبرت قيادات حوثية سيطرتها على العاصمة والدولة تحقيق لما تعتبرها الجماعة "حقاً إلهياً" تشترك فيه مع عقيدة وفكرة ولي الفقيه في إيران. ومن خلال "الوثيقة الفكرية الحوثية" التي تجيب عن ما إذا كانت الحوثية تمثل الزيدية أم تتصادم معها، تبدو الحوثية فرقة جارودية تحولت من الزيدية إلى التشيّع وهي فرقة قريبة من الفكر الإمامي الشيعي الإيراني، ويعود جذور ذلك لخلفية مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي الذي درس في إيران وأسس اثر عودته إلى اليمن مع القيادي في الجماعة محمد عزان ما يسمى ب"منتدى الشباب المؤمن" في العام 1992م، والذي وخاض فيما بعد ست حروب ضد الدولة استمرت منذ العام 2014 وحتى العام 2009. إحياء التراث كما إن "الوثيقة الفكرية والثقافية الحوثية" أكدت على إحياء "تراث" عنصري يتدثر بالدين كان البعض قد اعتقد انه قد مات بإسقاط نظام الإمامة في العام 1962، غير إن الفكرة بقيت وبدأت تظهر مجدداً منذ سبعينيات القرن الماضي من خلال إعادة طباعة كتب "الأئمة" وتدريسها في صعدة من قبل بدر الدين الحوثي الذي تمكن نجله حسين فيما بعد من السيطرة على "منتدى الشباب المؤمن"، وإبعاد أمينه العام محمد عزان بذريعة أن الأخير لم يكن من "آل البيت" المقصود بهم "سلالة الحوثيين الهاشميين"، وأخذ حسين الحوثي بعد ذلك يؤسس لشرعية جديدة تختزل الزيدية في الحوثية، إذ ركز اهتمامه على فكرة "الاصطفاء الإلهي"، واستيراد أفكار وطقوس دخيلة على المذهب الزيدي ومنها ثقافة الغدير وتبني "ولاية الفقيه"، كما اعتبر نفسه وريثا شرعيا للزيدية الهادوية المتطرفة، فبدأ الخلاف ينشب بينه وبين علماء الزيدية وظل الخلاف يتفاقم، إلى أن أصدر هؤلاء العلماء بيانا في العام 2004م، هاجموا فيه حسين الحوثي واتهموه في البيان بالخروج كلية عن المذهب الزيدي والإساءة لكل أئمة "آل البيت" ومنهم بالإمام علي بن أبي طالب. وبعد مقتل حسين بدر الدين الحوثي، استمر خلاف علماء الزيدية مع أتباعه في الحركة الحوثية، لاسيما مع تولي أخيه الأصغر عبد الملك الحوثي زعامة الجماعة. احتكار المذهب الحوثيون ومن خلال الوثيقة حاولوا إحياء هذا الفكر الإمامي العنصري، ولكن عبر بوابة ادعاء احتكار المذهب الزيدي وتجريف جوانب الاعتدال فيه وتشييعه وخلطه بالفكر الشيعي الإيراني القائم على ولاية الفقيه، وكانت "الوثيقة الفكرية "قد مثلت تعريفاً مكثفا للحوثية بإعتبارها حركة طائفية جارودية أقرب للخمينية وعقيدة "ولاية الفقيه" الإيرانية وأبعد عن مذهب الإمام زيد. ومن المعروف إن الحوثية تحصر الفقه والعقيدة والمعاملات في إطار قضية "الولاية السياسية" بإعتبارها أصل من أصول الدين وبصفتها القضية المركزية حوثياً، وقد شجعت الثورة الخمينية في إيران الحوثيين على التواصل مع نظام الملالي في طهران، ويلتقيان في حصر الحكم في "ولاية الفقيه"، وقد بدأ بالفعل أول نشاط منظم يربط بينهما في العام 1986م، حيث تأسس آنذاك ما عُرف باتحاد الشباب، في محافظة صعدة شمال اليمن، على يد "صلاح فليته" كمدرسة لتعليم "المذهب الزيدي" في نسخته المحدثة إيرانيا وكانت الثورة الخمينية أحد أهم المواد التي يتم تدريسها في المدرسة تلك ، كما أن مؤسس الحركة الحوثية كان عضوا ومدرسا في "اتحاد الشباب" حتى العام 1990م. ويمكن القول إن خطر الحوثية على الزيدية يأتي بسبب ارتباط الأولى بإيران وعقيدة ولي الفقيه، ومن هنا فإن الحوثية تحول الزيدية الاجتماعية المتعايشة داخل المجتمع اليمني، إلى طائفية سياسية بارتباطها بمشاريع إيران الطائفية، وقد استفادت الحوثية بالفعل من التجربة الإيرانية في وسائل الحشد والتعبئة والعسكرة. جناية على الزيدية وفي حديث للكاتب اليمني المختص بالشؤون العربية والإيرانية عدنان هاشم مع "الرياض" قال إن "الحوثية ترتكب جناية على الزيدية فتحاول الظهور وكأنها الحامل الرئيس لمذهب الزيدية مع أن توجهات وأراء الزيدية بعيدة كل البعد عن مذهبية الاصطفاف والاصطفاء للفرد كجينات وعرق آري". ويضيف هاشم إن "الحوثية ليست الزيدية ولا تقترب حتى منها فالأولى خمينية الفكرة وفارسية العمل والتخطيط والتفكير"، ويشير إلى أن محاولة الحوثية الظهور كوصي على الزيدية هي الجناية الكبرى على المذهب واستهداف مباشر له. وعن ممارسات الحوثية التي تصادم الزيدية كمذهب يؤكد عدنان هاشم أن الفساد السياسي وحتى ممارسة الظلم والاعتقال والاختطاف ورفض الآخر وتفجير المنازل والعداء للمذاهب الأخرى وارتباط الجماعة بالخمينية وتجريفها لكل ما ليس له علاقة بالحوثية ، جميعها ممارسات تتصادم مع الزيدية المذهب. التحريض على المملكة أما يحيى الثلايا الكاتب والباحث اليمني المتخصص في تاريخ الإمامة في اليمن، فيرى إن "الحركة الحوثية نسخة جديدة من الامامة الزيدية الهادوية المتطرفة التي كان أول ظهور لها في خولان عامر وهي منطقة بين نجران وصعدة اليمن في القرن الثالث الهجري، إذ ترى الحوثية إن الامامة حكراً على نسل "البطنين" وترى إن غيرهم إذا تولى السلطة فهو مغتصب لها ويجب مقاومته وهي فكرة تتناسق كليا مع ولاية الفقيه الإيرانية. ويتابع الثلايا أنه "منذ بداية ظهور الحركة الحوثية، كان مؤسسها حسين الحوثي يقول بعدم شرعية الدولة اليمنية ولا السعودية أيضاً، لأنهم ليسوا من سلالة "البطنين"، مضيفاً إن الحوثية وفي وقت قادت فيه تمرداً عسكرياً ضد الحكومات اليمنية والتهمت البلاد منذ ظهورها، فإنها مارست عملية تحريض واسع ضد الدولتين اليمنية والسعودية، وأشاعت لدى كل أنصارها إن الحرمين الشريفين تخضع لما أسمته بالإحتلال السعودي، ولابد من عودتها لسلطة آل البيت في تناغم كلي مع الخمينية الإيرانية وثورتها التي تعتبر الحوثية امتدادا لها في منطقة الجزيرة العربية". ارتباط وثيق وعن خطر الحوثية على التعايش اليمني يقول الثلايا الكاتب المختص بشؤون الإمامة في اليمن "إن الحركة الحوثية استفادت وارتبطت بالثورة الخمينية منذ نهاية الثمانينات وعقدت معها علاقات وشراكات ضمن برنامج ما يسمى تصدير الثورة الإسلامية واعتماد الحركة الحوثية كذراع للثورة الخمينية في الجزيرة العربية". وقال الثلايا "إن الخلط أو اللبس بين النظرية الهادوية التي تقوم على مفاهيم مغلوطة شيعية وبين مسمى القبائل او المناطق الزيدية في اليمن خلط غير صحيح، ويرى إن تكريس هذا الاسم بمناطق معينة نتيجة بقاء الإمامة الهادوية فيها طويلا لا يعني أن هذه المناطق تعتنق هذه النظرية أو تماشي الحوثي في تطرفه، مؤكداً أن مناطق صعدة وغيرها من مناطق الشمال اليمني خاضت حروباً طوالا في مواجهة الحركة الحوثية، وأن أغلبية قبائل خولان بن عامر الحميرية وحاشد وبكيل الهمدانية لا تدين بالولاء للحوثي، بل وترفضه وتقف في صف الشرعية والتحالف العربي ولها دور مشهود مع بقية اليمنيين في ميادين المواجهة مع الحوثية الخمينية وقدمت مئات الشهداء منذ انطلاق عاصفة الحزم. ولا يزال الكثير يخلطون بين الحوثية كحركة سلالية إمامية عنصرية مرتبطة بالخمينية ونظام ولاية الفقيه وبين الزيدية كمذهب والذي شكا أحد أبرز أعلامه قبل قرون من أنه ليس مذهبا مغلقا، وإنما نسق مفتوح للتجديد والتفكير والتطوير، وما يجري حالياً من ممارسات حوثية ومساع طائفية إيرانية، يمكن وصفها بمحاولات اختطاف الزيدية والانحراف بها عن الأفكار الوسطية والتجديدية والمعتدلة ومنها تلك الأفكار التي يطرحها العلامة محمد بن إسماعيل بن الأمير الصنعاني وكذلك العلامة محمد بن علي الشوكاني.