ستحاول هذه المقالة النفاذ إلى عمق أزمة قطر مع أشقائها ضمن مفهوم نظرية (صراع) الدور في العلاقات الدولية. ويعني الدور وفق هذه النظرية مجمل تصورات القائمين على السياسة الخارجية في بلد ما لمركز دولتهم في النظام الإقليمي والدولي المحيط بهم. وأول متطلبات رسم هذا الدور هو التحديد الدقيق لواقع وإمكانات هذه الدولة ومجالها الحيوي (عظمى، كبرى، إقليمية، صغرى). ويمكن الوصول إلى هذا التحديد من خلال التقييم الموضوعي لعناصر قوة هذه الدولة وأبرزها: مساحة الدولة وموقعها، عدد الشعب وطبيعته، القوة الاقتصادية، القوة العسكرية، القوة التنظيمية (الإدارة الرشيدة). ويمكن للباحث السياسي من خلال تتبع حالة نشاط الدولة (الحالة القَطرية) وطموحها ودورها في الأحداث القيام بثلاث عمليات تحليل مترابطة: أولا: وصف الحالة السياسية للدولة ووضعها في إطارها، ثانيا: (تفسير) الحالة وتشخيص مفاصلها، ثالثا: (التنبؤ) بالمآلات. وفي هذه المقالة المختصرة سيكون التركيز على الوصف والتفسير وفق مفهوم (صراع) الدور الذي يتلبّس السياسة القطرية وإن حاولت أن تظهر نفسها بمظهر "المستقل النشط "Active Independent، ولكنها عمليا لم تحقّق أدنى شروط الاستقلالية. ومن هنا وقعت قطر اليوم في حفرة صراع الدور Role Conflict حين بات من المستحيل عليها الاستمرار في الجمع بين المتناقضات (دعم فلسطين وعلاقات دافئة مع الإسرائيليين، التعاون الخليجي وفتح الباب لإيران، التغنّي بالعروبة وتنفيذ أجندة تركيا، إعلان نبذ الإرهاب والعمل كوسيط لهم ومعهم). من جهة هي قطر تظل إمارة ريعيّة صغيرة Micro Rentier State يديرها نظام "أميري" وراثي تقليدي وكان يمكن أن تكون نموذجا تنمويا كجارتها دبي. ومع ذلك بادرت بالتطوّع أو قبول التكليف بمهمة تثوير شعوب "الجمهوريات" العربية على حلم إقامة دولة اتحاد إسلامي يخطب فيها الخليفة "حمد" من مسجد "محمد بن عبدالوهاب" بالدوحة وتنقله قناة الجزيرة إلى رعايا الخليفة في كل أصقاع الأرض. وما لم تحسب له إمارة قطر جيدا أن التحالفات المصلحيّة المؤقتة (إسرائيل/ أميركا) لا يطول مداها، وأن إنفاق المليارات لصناعة دور "ضخم" دون مقوّمات دولة موضوعيّة لا يمكن أن يعمّر طويلا. أضف إلى ذلك أن قناة تلفزيونية "مثيرة" وإعلام موازٍ يعتمد على مكفولين لا يمكن أن يشكّل القوّة "الوطنية" الناعمة خاصة وأن مضامين هذه الوسائل يتجاذبها تياران يتقاسمان المال والوسائل القطرية. هذا التياران الممثلان في الإخوان وفلول القوميين (الممانعين) لا يتصالحان إلا في الدوحة وتحت إغراء الريال القطري المبذول. وتأسيسا على ما تقدّم يمكننا هنا إبراز الملامح الخمسة لصراع الدور المتمثل في الحالة القطرية: الأول: هرولة قطر نحو "تل أبيب" في كل أزمة كما كشفت تسريبات "حمد بن جاسم" الذي صدّق مرتزق عربي أسماه كيسنجر فقرأ مذكرات الثعلب الأميركي بالمقلوب ولم يتقن محاكاته، وحتى حين حاول تمثّل شخصيّة سعود الفيصل -رحمه الله- لم يسعفه ثقل لسانه في صولات البلاغة الدبلوماسيّة. واتفق حمد وحمد في مزاجهما حتى أصبحت عندهم تمور ودلّة "الشقيقة" الكبرى ومياه النيل لا طعم لها أمام "شيش كباب" "الترك" على سجادة "العجم" حتى وإن تغبّر عقال السيادة القطرية بتراب الغريب. الثاني: إيواء "المطاريد" واستضافة شخصيات ومؤسسات على قوائم الإرهاب العربية والدولية. والسؤال هنا ليس عن صحة وخطأ ما ورد في هذه القوائم بل عن مستوى قدرة إمارة قطر على تحدّي أنظمة عربية قوية ترسّخت أجهزتها وتشكّلت إرادتها لحماية وجودها والتعامل مع خصومها منذ عقود طويلة وقبل أن تعترف الأممالمتحدة بالإمارة القطرية ذاتها. الثالث: ما ثمار هزّ خطوط العمق الاستراتيجي الخليجي" السعودية" ومحاولة تعويضه بحضن الملالي؟ وما جدوى استبدال الظهير العربي القريب "مصر" بطرابيش الأتراك؟ الرابع: ها هي ليبيا تئن والشام تبكي وأرض العراق وجبال اليمن تلعقان جراح التشتّت والفوضى فما بال الريال القطري لا يظهر إلا في الزوايا ولا يوزّع إلا في الظلام في كل مرّة تهدأ فيها النفوس وتجنح للسلم والوئام. الخامس: يقول التاريخ إن هناك دولا تمكّنها إمكاناتها من تجاوز معظم الأزمات وهناك دول يمكن أن "تشطبها" أزمة واحدة. * قال ومضى: إنها النار وأول زادها ذاك الذي جلب الحطب..