تعيش الجامعات والكليات هذه الأيام وهي تفتح أبوابها وفق مواعيد محددة لاستقبال طلبات المتقدمين عليها من الطلاب المستجدين والمتخرجين من مدارسنا الثانوية محاولين وفق معدلاتهم ودرجات اختبارات القياس والتقويم والتحصيلي، لتكون مجتمعة معدله التراكمي ليصبح هو المحدد الرئيس في اختيار تخصصه الدراسي والذي قد لا يتوافق مع رغبات ما يطمح إليه في كل سنواته السابقة ولكنه وجد مقعده الجامعي في أحد التخصصات المتاحة بناءً على ما تهيأ له وفق هذا المعدل ووفق الشروط والقيود الموضوعة، من قبل كل قسم أو كلية أمام الطالب المتقدم مما يصعب عليه الاختيار واتخاذ قرار الالتحاق ومن ثم يبدأ المشوار مع هذه البيئة الجديدة كليًا عليه. وقد شغل هذا الموضوع المهم في الآونة الأخيرة المختصين من أساتذة علم النفس والمرشدين وقاموا بدراسة ظاهرة إقبال الطلاب والطالبات على الجامعة وعلى دراسة طلب تخصصات معينة، ومسألة خضوع اختيار كلية بعينها أو تخصص بعينه لاعتبارات كثيرة منها القدرات العملية والنظرية، والميول والرغبات ومنها أيضاً شروط الالتحاق بالإضافة إلى اعتبارات أخرى تضعها الأقسام العلمية أو النظرية في الجامعات أو الكليات التقنية أو الفنية. ولا يخفى على أحد أنه حينما يزداد الطلب على كلية بعينها وتخصص بعينه تبدأ الجامعات في وضع شروط مقيدة مثل المجموع أو المعدل التراكمي أو ما شابه ذلك، وفي أحيان كثيرة توضع مقابلات شخصية واختبارات تحريرية داخل الكلية للقيام بعملية تصفية للراغبين في الالتحاق بهذا القسم أو ذاك. إن ازدهار بعض الكليات أو التخصصات والإقبال عليها يشبه بالضبط قانون العرض والطلب حينما يشتد الطلب على تخصصات معينة لما يتوقع المقدمون عليها من حظوة هذا التخصص في الحصول على وظيفة أو حاجة سوق العمل إليه، تجد أن هناك إقبال كبير عليه وفي المقابل تقوم هذه الأقسام من خلال إدارات الجامعات بوضع قيود وشروط أكثر على القبول فيها. ولا شك تحتاج الدول في إطار خطتها للتنمية إلى مؤسسات أكاديمية أكثر فاعلية لتأهيل الكوادر والتخصصات اللازمة للمجتمع. وتحتل الجامعة مكانة الصدارة على رأس هرم هذه المؤسسات في إعداد تلك الكوادر. وعليه وبكل تأكيد فان الهدف الرئيسي هو توفير احتياجات المجتمعات من التخصصات المختلفة وتلبية رغبات الدارسين في الالتحاق بتلك التخصصات الدراسية، وبالتالي تعتمد المؤسسات الأكاديمية على التعرف على حاجات المجتمع ورغبات المتقدمين. كما أن قرار المتقدمين باختيار التخصص يمثل أهمية بالغة لدى جدية الفرد وشعور القسم برغبتهم بالدراسة في هذا المجال وفي عملية التوازن بين التخصصات، وبالرغم أن هناك آلية في تحديد أعداد الطلاب المتقدمين الممكن قبولهم بكل تخصص إلا أنها وحدها لا تكفي لإدارة فعالة لعملية التخصصات، حيث إن المعرفة الدقيقة للعوامل المؤثرة بشكل رئيسي على المتقدمين في اختيار التخصصات الدراسية تعكس الصورة الذهنية والتصورات المدركة لدى الطلاب حول كل تخصص، وبالتالي يتيح ذلك أمام الإدارات المعنية صورة كاملة قد تتوافق أو تختلف مع احتياجات المجتمع. ومن هنا يبرز دور الإرشاد الأكاديمي كركيزة أولى لمسيرة الطالب المستجد في حياته الجامعية التي سيقبل عليها، فتوجيه الطالب وتقديم الخدمات الإرشادية ومساعدته في هذه البيئة الجديدة، وإعداد وتسجيل المواد الأكثر ملاءمة له. كلها عوامل تساعده في التكيف مع الدراسة الجامعية ومتطلباتها، لأن معرفة الطالب الجامعي بالنظم واللوائح المنظمة للعملية التعليمية داخل الجامعة تعتبر أحد الوسائل التي تساعده على اجتياز سنواته الدراسية دون حدوث مشاكل أو عقبات. ويكتمل دور الإرشاد الأكاديمي في تفعيل العلاقة بين الطالب وأعضاء هيئة التدريس والمقررات الدراسية والبيئة.. وغيرها، وذلك عن طريق توفير المعلومة المناسبة له وفق ما يحتاجه، وشرح الخطط الدراسية والقواعد السلوكية وأنظمة الشؤون الطلابية، وما توفره الجامعات من مجالات وفرص دراسية وتخصصات بما يتناسب مع قدرات الطلاب وإمكاناتهم، وتوافق ميولهم ورغباتهم، وكذلك معاونتهم على السير في المقررات الدراسية بأفضل طريقة ممكنة، والتغلب على ما يعترضهم من عقبات، مستفيدين إلى أقصى درجة من الخدمات والإمكانيات المتاحة. ويُعد الإرشاد الأكاديمي إحدى الخدمات الهامة التي تؤثر إيجاباً في نمو الطالب معرفياً وأكاديمياً ومهنياً، وحاجة ماسة في ظل المتغيرات البيئة الجامعية لكي تضيء له الطريق وتساعده على التكيف، وتزويده بالمعلومات والمهارات التي تمكنه من تحسين تحصيله العلمي وتمنحه القدرة على التقدم. ولكن مازال الإرشاد الأكاديمي في معظم الجامعات يواجه الكثير من التحديات والعقبات. وتتراوح هذه التحديات بين عدم وجود أنظمة رسمية للإرشاد الأكاديمي، وضعف فاعليته وبالتالي أثره على الطلاب المتقدمين أو المستجدين أو الجامعين في الكثير من الجامعات، إما لعدم كفاءة القائمين عليه، أو قلة المختصين في مجالات التوجيه والإرشاد وعلم النفس، أو لشدة العبء الدراسي والبحثي على أعضاء هيئة التدريس، أو لعدم وعي الطلاب بأهمية الإرشاد الأكاديمي، وعزوفهم عنه والاستعانة بزملائهم في اختيار التخصصات والمقررات، وعدم وضوح فلسلفة الإرشاد وأهدافه وإجراءاته بالنسبة للطالب وحتى بالنسبة للمرشدين الأكاديميين أنفسهم، وغير ذلك من القضايا الأكاديمية.