في كل موسم تتخذ إدارات الأندية السعودية قرارات بإقالة مدربي فرقها استجابة لضغوطات الجماهير وبحثاً عن الأفضل، وينتهي الموسم الكروي وسط وجود أعداد كبيرة من الراحلين والقادمين للملاعب السعودية وسط انتقادات حادة تجاه كثرة التغيير وعدم الاستقرار على اسم معين أو حتى مدرسة تدريبية معينة، إذ يرى مراقبون أن التعامل مع أكثر من مدرسة تدريبية تسبب بخلل فني كبير في الفرق والمنتخبات السعودية التي ترتبط بمدربين أوروبيين ولاتينيين وعرب وسعوديين. يقول المدرب الوطني خالد القروني عن تعدد المدراس: "تغيير المدربين خلال الموسم الواحد يؤثر سلبياً على الفريق سواءً كانت المدرسة التدريبية ذاتها أو مختلفة، لأن كل مدرب له فكر معين ونهج مختلف وطريقة مغايرة، وعدم الاستقرار يؤثر على اللاعبين الى الدرجة التي لا تستطيع ان تطالبهم بشيء لأنك تغير مدربهم باستمرار، فالاستقرار مطلب ومهم جداً للأندية وللاعبين، واصل الخطأ يكون في اختيار المدرب الأول ثم يصحح الخطأ بخطأ آخر وهكذا، وفي النهاية الفريق يدفع الثمن". ويضيف القروني الذي قاد المنتخب السعودي للشباب في كأس العالم 2011 في كولومبيا: "برأيي أن التدريب ليس له جنسية معينة، يعتمد في الأول والأخير على عقلية المدرب ومعرفته، لأن التدريب اصبح علما، فمن الممكن ان تحضر مدربا من دولة لا يوجد فيها كرة قدم مع ذلك تجد فكره جيدا ومتعلما ولديه خبرة كافية ويجيد التعامل مع اللاعبين، والعكس صحيح ايضاً، لذلك لا نستطيع ان نحكم بالجنسية، احياناً تحضر مدربا برازيليا مثلاً وهو متعلم في اوروبا فتجده متأثرا بالمدرسة الأوروبية ويطبقها والعكس". ويتابع المدرب الذي قاد الباطن للبقاء هذا الموسم في دوري جميل وقاد فرقاً عدة مثل الاتحاد والرياض والشعلة والحزم والرائد: "الأصل هو ان تعمل الإدارة سياسة تدريبية تتناسب مع وضع فرق النادي والإدارة هي من تحدد احتياجات الفرق وتختار، الأفضل أن يكون هناك مدير فني مسؤول عن كل فرق النادي، وهو من يحدد سياسة الفرق التدريبية ويختار الطاقم التدريبي الأنسب لكل فريق بغض النظر عن جنسياتهم، الأهم أن يضع الأهداف ويختار من يطبقها، ويقيم بعد ذلك عمل كل جهاز فني". الملف معق ويرى المدرب الوطني خليل المصري أن هذا الملف كبير ومعقد وله تداخلات كثيرة ويقول: "دعنا أولاً نؤكد أن كثيرا من إدارات الأندية لا توقع عقوداً طويلة الأجل، لأنها لا تبحث ولا تقيم المدربين فنياً، فالكثير من رؤساء الأندية يتخذون قرارات التعاقد مع المدربين بطريقة ارتجالية وبعيداً عن التقييم الفني، فقط النظر إلى مسيرة المدرب أو ال"سي في" ونتائجه وهذا أمر لا بأس فيه لكن الاكتفاء بالنظر إلى مسيرة المدرب ونتائجه يجعل آلية البحث والاختيار ناقصة، بل إنها تخلو من أهم النقاط التي يجب الارتكاز عليها عن اختيار المدربين وهي طريقة المدرب، ونهجه، وأساليبه الفنية وملاءمتها من عدمه فضلاً عن طريقته في التعامل مع المباريات ومع اللاعبين أنفسهم، والمؤسف أيضاً أن معظم الأندية السعودية تعرف جيداً وهي تتعاقد مع مدرب يقود الفريق أنه لن يستمر طويلاً وأن رحيله مجرد مسألة وقت فور حدوث أي هزة فنية أو على صعيد النتائج، فالصبر يغيب كثيراً والنماذج كثيرة، وما يثير الغرابة أن الإدارات التي تصبر وتمنح المدربين الفرص بالكاد تعد على أصابع اليد الواحدة، وبالتالي فإن الحديث عن المدارس التدريبية وجنسيات المدربين يكون بعد الحديث عن آلية التعاقد مع المدربين، والتساؤل عن وجود خطط واستراتيجيات وأهداف، أو حتى مشروع تريد الإدارة إنجازه". وأضاف: "بالنسبة للمدارس التدريبية، فلكل مدرسة ميزاتها وعيوبها، وكلها من الممكن أن تتواجد في الملاعب السعودية، صحيح أن المدرسة اللاتينية والمتمثلة بالبرازيل والأرجنتيني والأوروغواي وتشيلي وبقية دول أميركا الجنوبية تعتمد على مهارة اللاعب وتمنحه الفرصة لإبراز موهبته والإبداع وتقديم المتعة، ولكن أيضاً المدرسة الأوروبية لها نهجها وطريقتها المميزة والتي تعتمد على القوة والسرعة والانضباط والحضور البدني المميز، وبالتالي فإن لكل مدرسة نهجها، ولكل شيخ طريقته كما يقولون". وزاد: "هناك فرق عالمية لها نهجها وأسلوبها الخاص بها فهي تلعب بطريقة 4-5-1 مثلاً لكن هذه الطريقة يمكن التحكم بها وجعلها دفاعية أو هجومية أو حتى متوازنة بحسب ما يريد المدرب تطبيقه وبحسب الأدوار التي تمنح لكل لاعب، هذه الفرق العالمية تسير على نهج تكتيكي واضح وثابت منذ مرحلة التأسيس وأعني مرحلة البراعم ويستمر الحفاظ عليها حتى تنضج وينضج اللاعب في تطبيقها عند وصوله للفريق الأول، فنجد فرقاً مثل برشلونة وريال مدريد الإسبانيين يلعب كل منهما بأسلوبه على الرغم من تغيير المدربين على فترات متباعدة، وأسلوب كل فريق منهما واضح ومستمر، وبالتالي نلاحظ أن لكل فريق هويته التكتيكية منذ سنوات وله تقاليد فنية محددة يسير عليها بشكل ثابت حتى أصبح من الفرق القوية والمنجزة، والأمر لا يتعلق ببرشلونة وريال مدريد وحدهما، فمعظم الفرق الأوروبية تتخذ هذا المنهج، لكن في المقابل ماذا عن الفرق السعودية؟ بالتأكيد أن كل شخص يملك القدرة على القراءة الفنية يجد أن كل فريق سعودي يتخذ أكثر من أسلوب فني في موسم واحد فقط، وهذا يشتت اللاعبين فنياً وذهنياً ويفقدهم القدرة على فهم وتشرب الطريقة التي يريد المدرب تطبيقها، فمع ظهور ملامح الانسجام وحفظ الطريقة وتطبيقها بشكل جيد يتغير المدرب بمجرد الخسارة في ثلاث مباريات متتالية". ويتساءل المصري عن جدوى تعاقد الأندية مع مدارس متعددة ومختلفة لكل فريق من فرق المراحل السنية في السعودية، ويضيف: "هذا أمر غريب، ويدل على غياب الرؤية والمنهجية، فمثلاً تجد مدرباً أوروبياً للفريق الأول ومدربا برازيليا للفريق الأولمبي ومدربين عربا للفئات السنية، والفئات السنية تنتج لاعبين من خلال مدربين عرب لهم رؤية مختلفة عن تلك التي يملكها مدرب الفريق الأولمبي ومدرب الفريق الأول، والمؤسف أن هذا يحدث أحياناً في المنتخبات، توحيد المدارس التدريبية خيار جيد، له مميزاته، صحيح أن له سلبيات مثل أي نهج ولكن من المهم أن لا يتشتت اللاعبون، لاحظوا أن الفرق في "دوري جميل" تتعاقد مع مدرب أوروبي في بداية الموسم، وتقيله ربما بعد مضي خمس جولات ثم تتعاقد مع مدرب برازيلي، وتقيله بعد فترة، ومن ثم تستقطب مدرباً عربياً، هذا أمر غريب وبحث عن نتائج وقتية لأن الإدارات تبحث عن نجاحها هي وليس نجاح النادي واستقراره وصناعة هوية فنية قوية تميزه عن البقية، الإدارات لدينا تريد نتائج وقتية وسريعة حتى تكون ناجحة بنظر الجماهير ولتبني مجداً لها بعيداً عن العمل المنظم والمفيد على المدى الطويل". ويرى المدرب الذي درب فرق الطائي والرائد والفيحاء ومنتخب المملكة للناشئين أن الاستقرار الفني عامل مهم، مستشهداً بتجربة الرائد هذا الموسم، إذ يقول: "مثلاً فريق الرائد كان يعاني في "دوري جميل" ونتائجه ضعيفة رغم إمكاناته الجيدة وجماهيريته المميزة والدعم الذي يتلقاه من محبيه، لكن غياب الاستقرار أفقده التوازن حتى أصبح بالكاد يضمن البقاء في دوري المحترفين، وفي الموسم المنصرم لاحظنا جميعاً كيف تطور الفريق وأنهى موسمه بالمركز الخامس بعد أن اتخذت إدارته قراراً بالإبقاء على المدرب ناصيف البياوي وعدم الالتفات للمطالب بإبعاده لأنها كانت ترى أن عمله جيد ووقف بصفه أمام الضغوطات فتحسنت النتائج وحقق الفريق مركزاً متقدماً وهذا مثال جيد لأهمية الدور الإداري". ونفى المصري في ختام حديثه أن يكون الجانب النفسي هو الأهم للتعامل مع اللاعب السعودي، وتابع: "الجانب النفسي مهم ويركز عليه المدربون في الفرق السعودية كثيراً ليس لأن اللاعب السعودي يريد معاملة خاصة بل لأن بيئة الاحتراف غير مكتملة والظروف غير مثالية فالمدربون يلجؤون للأمور النفسية كثيراً عندما تتأخر مستحقات اللاعب حفاظاً على توازن الفريق، وهذا يجيده المدربون السعوديون والعرب كثيراً خصوصاً وأنهم يعرفون كيفية التعامل مع اللاعب السعودي، علاوة على أنهم من الناحية الفنية يملكون فهما لمختلف المدارس التدريبية وبالتالي نجد أن إمكانية نجاحهم كبيرة والشواهد كثيرة". خليل المصري خالد القروني