منذ أن قررت قطر الدولة الصغيرة أن تكبر ولو قليلاً، خلعت جلبابها، وبدلت جلدها، وتبنت هوية متمردة، تعتمد على المشاغبة السياسية ومخالفات التوجهات العربية والقومية والإقليمية، على الرغم من أن أقصى ما كانت تتكئ عليه الدولة الصغيرة مجرد قناة فضائية وحفنة من المليارات، وهي مكونات في مجملها لا يمكن أن تجعل دولة بحجم قطر ذات تأثير إيجابي في الإقليم، فلجأت الدوحة إلى مبدأ "خالف تعرف" لكي تلفت أنظار العالم، وتؤكد وجودها، وتشعر بكينونتها، فهرولت إلى إقامة تواصل سياسي علني مع الكيان الصهيوني، ووظفت المال في شراء ذمم الخونة من ساسة العجم والعرب، حتى أصبحت السياسة القطرية هي بالفعل تسجل حضوراً لافتاً على مستوى الإقليم، إلا أنه رغم ذلك لم يمكن قطر هذا الحضور السياسي المشاغب لأن تصبح دولة كبرى، ولم يمكنها من القيام بدور قيادي أو إيجابي يمكن أن يلفت الانتباه. وفي ظل السعي القطري المهرول في كل الاتجاهات التي تفرق الأمة، وتشعل الخلافات بين الأشقاء، بلغ صبر العواصم العربية الكبرى مداه تجاه المشاغبة القطرية التي لا تنتهي، وحينما تجاوزت السياسة القطرية الحدود، ومست الأمن الوطني للدول الكبرى صانعة القرار العربي في الرياض والقاهرة ودول الخليج، اقتنع قادة القرار العربي أن آخر العلاج الكي في المسألة القطرية، فقد بلغت الأمور حداً من التمادي بما يعرض الأمن العربي للخطر، خاصة في ظل المواجهة العربية - الإيرانية في أكثر من بلد عربي. ويأتي قرار العواصم العربية الكبرى بقطع العلاقات مع الدوحة ليضع قطر في مواجهة مع واقع صعب، سيكشف قدرات الدولة المتشيطنة في مواجهة عزلة سياسية واقتصادية لم تشهد لها الدوحة مثيلاً منذ نشأتها، فحلم الدولة الكبيرة المؤثرة الذي كانت تطمح إليه الدوحة يتبخر اليوم، ليصبح أقصى أحلامها أن تتنفس الصعداء في ظل إقفال المنافذ البرية والبحرية والجوية في وجه الدوحة، مما سيلقي بظلاله على الوضع الاقتصادي لقطر بشكل غير مسبوق، فلم يعد أمام الطيران القطري سماء يمكن أن يحلق فيها إلا السماء الإيرانية، ولم يعد تدفق السلع من الدول المجاورة متاحاً، فدولة الإمارات العربية المتحدة التي تأتي في المرتبة الأولى كمصدر للمواد الغذائية للسوق القطري أقفلت حدودها، والمملكة التي تأتي في المرتبة الثانية كمصدر للمواد الغذائية أقفلت حدودها، وكذلك البحرين، حيث تستورد قطر من الدولتين ما قيمته 310 ملايين دولار، فيما تأتي المملكة في المرتبة الأولى في تصدير الماشية لقطر، والإمارات في المرتبة الخامسة بإجمالي 416 مليون دولار. وتبدو مؤشرات التأثير الاقتصادية السلبي على قطر جراء القرار الأخير واضحاً منذ اليوم الأول، فقد تراجعت البورصة القطرية بأكثر من 7% في بداية التداولات، وتراجعت جميع الأسهم، وانخفض أغلبها بالحدود القصوى، في وقت تجاوزت خسائر مؤشر البورصة 700 نقطة. وسوف تصاب التجارة البرية مع قطر بالشلل التام، فالحدود البرية الوحيدة لقطر هي مع المملكة التي تعتبر ودولة الإمارات من أهم الشركاء التجاريين لقطر، وتبرز أهمية الدولتين بشكل خاص في ملف تجارة الغذاء. وفي أول يوم من قطع العلاقات مع قطر، قالت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية، إن الأزمة بين قطر والدول العربية، قد تؤثر على التصنيف الائتمانى لقطر، إذا أدت إلى تعطل حركة التجارة وتدفقات رؤوس الأموال. و ينذر قرار المملكة والإماراتوالبحرين ومصر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر بأزمات اقتصادية كبيرة للدوحة، على صعيد النقل الجوي والبري، مما سيلقي بظلاله على قطاعات حيوية ومن بينها التجارة وقطاع الأعمال. وسيحتم إغلاق الدول الخليجية الثلاث لكافة المنافذ البحرية والجوية أمام الحركة القادمة والمغادرة إلى قطر، ومنع العبور لوسائل النقل القطرية كافة القادمة والمغادرة، على الخطوط القطرية والتي تعتبر رافدا اقتصاديا أساسيا لقطر، تسيير رحلات أطول خاصة إلى إفريقيا، ما يقوض نموذج عملها المعتمد على مسافري الترانزيت. وقال مراقبون إن عزلة قطر الحالية سيجعلها غير قادرة على تنفيذ مشاريعها مع الدول الخليجية الأخرى التي كانت تخطط لها كمد أنبوب غاز للكويت عبر الأراضي السعودية، وإقامة جسر يربطها مع دولة الإمارات من فوق المياه الإقليمية السعودية. وإذا ما استمرت السياسات القطرية الجانحة في ممارسة عبثها في المنطقة، فإن حلم استضافة مونديال 2022 سيواجه ضربة كبيرة مع اعتماد قطر على الحدود البرية السعودية في استيراد غالبية متطلبات البناء لمشاريع المونديال. هبوط حاد للسوق القطرية