قرأت قبل أيام تغريدة طريفة تقول (ان ليبراليا تزوج مطوعة وانتقد طبخها فقالت لماذا لا تنتقد الحشد الشعبي). لا أظن أن الحملة الموجهة ضد مسلسل غرابيب فنية أو ثقافية أو حتى دينية. لكي تدافع عن داعش وتتصدى لكل من يتعرض له عرقل الأمر بالسؤال المعتاد: لماذا لا ينتقدون الحشد الشعبي؟ لماذا لا ينتجون مسلسلا عن هذا التنظيم الشيعي أو ذاك؟ هكذا تفوز في دعاواك بأصوات الطائفيين أصحاب الضجيج العالي والكتاب الطائفيين المتخفين وراء نظرية عدالة نقد الطرفين. في عمليات الترويج أو التشويه أو الرغبة في نشر إشاعة ليس من الذكاء أن تبدأ بصريح الإشاعة. لكي تدفع الناس لتصديق إشاعتك عليك أن توحي بها في محتوى آخر. إذا رغبت أن تشيع أن أميركا قتلت أبرياء في الكاريبي على سبيل المثال لا تطرح إشاعتك بشكل مباشر كأن تقول (أميركا تقتل المدنيين في الكاريبي) هذا الطرح يجعل فحوى الكذبة محل بحث وسؤال. عليك أن تقول مثلا (من سيعوض ضحايا العدوان الأميركي في الكاريبي بعد أن رفضت أميركا التعويض؟) في هذه العبارة يتحول النقاش من محاكمة الكذبة نفسها إلى مسألة التعويض. ستبدو أكذوبة القتل حقيقة متفق عليها. نسمع الآن من يقول إن مسلسل غرابيب يقف وراءه مجموعة من الشيعة. إن فلانا شيعي والآخر شيعي وهكذا. هذا الاتجاه في (الاتهام؟) للمسلسل يوحي كأننا جميعا مؤمنين أن العمل الذي يقف وراءه شيعي هو عمل معادٍ. حتى لو ثبت في النهاية أن العمل لا يمس العقيدة أو لا علاقة له بالدين الصحيح سوف يستقر في أعماق الناس أن الشيعي عدو. نقلوا القضية من إثبات أن العمل سيئ أو جيد في حدا ذاته إلى قضية أخرى أخطر. صارت القضية (هل وراءه شيعة أم لا؟). كأننا نبحث: هل يقف وراءه صهاينة. إذا سمحنا لأنفسنا بحث هذا السؤال تكون اللعبة نجحت وحققت أهدافها. عز طلب هؤلاء أن يصدر بيان من القناة المنتجة يطمئن الجميع أن لا شيعة يقفون وراء العمل (ولله الحمد). الكثير يعرف أن المشرف على العمل هو الأستاذ عبدالله بن بجاد من عائلة سنية وكاتبة السيناريو لين فارس كذلك والمخرجون الثلاثة حسام قاسم وعادل أديب وحسين شوكت سنة أيضا. والكل يعرف أيضا أن هؤلاء بحكم دورهم في العمل هم (فقط) من يتحمل مسؤولية كل كلمة وكل صورة وردت في المسلسل. إذا المطلوب هو جر القناة لتنفي وجود شيعة وراء العمل. هذا النفي أو الفخ إذا وقعت فيه القناة المنتجة سوف يغرس في اللاشعور أن الشيعة أعداء يتفق الجميع على عداوتهم.