بات الوقف في سبيل الله شعيرة خالدة وسنّة ماضية حققت للمسلمين وللعالم الإسلامي على مرّ العصور المتواصلة النماء والرفعة والتمكين والعزة من خلال تنوع خدماتها وتعدد مجالاتها ومساهمتها في الريادة الحضارية للدولة المسلمة.. وقد أدركت حكومة المملكة العربية السعودية أهمية هذا الدور المناط بالأوقاف منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- وحين صدرت التعليمات الأساسية للمملكة سنة 1345ه شملت من ضمنها الحرمين الشريفين والأوقاف والمساجد، ولم تزل العناية بذلك حتى صدر قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 160 والمنعقد بتاريخ 13/5/1431ه القاضي بتأسيس هيئة مستقلة تعنى بشؤون الأوقاف وتسند لها مهام وكالة وزارة الأوقاف بوزارة الشؤون الإسلامية، ثم بعد ست سنوات صدر نظام الهيئة العامة للأوقاف في 25/2/1437ه مشتملاً على خمس وعشرين مادة، بيّنت هذه المواد كل ما يتعلق بالهيئة من مفاهيم وتعريفات وأهداف وصلاحيات وما يتعلق بتشكيل سلطة مجلس إدارة الهيئة وتشكيل لجان الاستشارة والرقابة والمراجعة الداخلية وشروط تشكيل اللجان وتنظيمها ونحو ذلك من المواد المهمة والخطوط الرئيسة لسير هذه المؤسسة الشرعية الكبيرة. والحق أنه نظام شامل متكامل راع الضوابط الشرعية وحفظ للواقف والناظر من بعده حقّ تولي مصارف الأوقاف وفق الوثيقة الوقفية، كما حفظ للأوقاف مكانتها وراعى أن يتولاها الأكفّاء مع الرقابة والمتابعة من قبل الهيئة بما يضمن الشفافية والجودة، ويحسن هنا الإشارة إلى بعض الأمور: -أهمية المبادرة بتعيين محافظ للهيئة يقود العمل فيها ويسير بها وفق آمال وتطلعات المهتمين بشؤون الأوقاف. -استقطاب الموظفين المتميّزين وتشكيل فريق عمل من المهتمين والمختصين بشؤون الأوقاف لتولي مهام الهيئة. -السعي لإنشاء صندوق وقفي عام يُلحق به جميع الأوقاف الصغيرة التي تعطلت منافعها لتنمية إيراداتها وصرفها وفق المنصوص عليه في وثائقها. -السعي لأن تتولى الأوقاف بناء نظام اقتصادي يُسهم في مواصلة مسيرة النمو والتطور التي تعيشها المملكة وذلك بفتح المجال لمشاركة الوقف في جميع المجالات التي تمسّ حاجة المجتمع وتُسهم في توفير الرعاية المطلوبة في جميع مناحي الحياة. -العمل الدؤوب لتحقيق التكامل والتنسيق مع الجهات الحكومية التي تشترك مع الهيئة في بعض الاختصاصات كالقضاء ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية ووزارة التجارة وغيرها بما يحقق للأوقاف النفع والفائدة. -وأخيراً: تتطلع الأوقاف وأهلها إلى استفادة الهيئة من التجارب الدولية الناجحة في إدارة العمل الوقفي أو غير الربحي، والذي سجّلت فيه بعض دول العالم نجاحات هائلة في قطاعات التعليم والصحة والإسكان والخدمات الاجتماعية وغيرها. وبعد: فلا زلنا وبشوق نتطلع إلى قيام هذه الهيئة التي أخشى أن تشيخ وهي مازالت وليدة فقد أُسست قبل سبع سنين واعتمد نظامها قبل ما يزيد على السنة، ولم تزل حِبراً على ورق فلا مُحافظ ولا مقرّ ولا موظفين ولا حتى مستشارين.. ولا شك أن المجتمع الوقفي في توجّس أو ترقّب أو تطلّع إلى إطلالتها، وأخشى أن يصدق فينا قول الأول : ليتَ الخيالُ على الأحبابِ ما طَرقا وليتَ هذا الهوى للناسِ ما خُلقا أسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك في الجهود، والله من وراء القصد.