كشف وزير الأوقاف فضيلة الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ أن شهر رمضان الجاري سيشهد الإعلان رسمياً عن تأسيس هيئة مستقلة للأوقاف، وفصل إدارتها عن وزارته؛ بحيث يكون المشرف عليها محافظ بمرتبة وزير. وقال "آل الشيخ" أول أمس خلال كلمته الافتتاحية التي ألقاها في الغرفة التجارية الصناعية في مكةالمكرمة، خلال لقائه نظّار الأوقاف والمهتمين ورجال المال والأعمال: إن إنشاء هيئة الأوقاف يأتي إيماناً من المعنيين باستقلالية هذا القطاع؛ لما له من أهمية؛ بحيث يكون دور وزارته في النواحي الشرعية التنفيذية بدون إدارة أموال الأوقاف الذي سيكون عن طريق إدارة أهلية؛ على حد تعبيره.
وقال الوزير في اللقاء الذي نظّمته لجنة الأوقاف في غرفة مكة: "تُعتبر مكةالمكرمة هي أم الأوقاف في المملكة؛ فهي الأعلى حفظاً وتداولاً للاستثمارات الوقفية، ولا شك أن الوقف عبادة عظيمة، كما أنه رسالة سامية أيضاً، وعلى مدار 14 قرنا أوقف المسلمون أوقافاً كثيرة في مكةالمكرمة؛ لكن حجم الأوقاف حول الحرم المكي قل، كما أن أنواع البر للأوقاف قليلة بالنسبة لتوالي الزمان، وهذا يعطي إشارة إلى ضرورة الاهتمام بالأوقاف".
وأبان الوزير "آل الشيخ" أن من أنواع الأوقاف ما هو تحت مسؤولية وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد التي تتولى الرعاية والاهتمام والمحافظة عليها واستثمارها، وهي الأوقاف التي انقطعت نظارتها وأصبحت مسؤولية إدارتها لولي الأمر الذي وكل الوزارة لتلك المهمة، وكانت قبل ذلك تحت مسؤولية وزارة الحج، ثم انتقلت إلى وزارة الشؤون الإسلامية في ظل التنظيمات الوزارية.
وأضاف الوزير: "النوع الثاني من الأوقاف التي تشرف عليها الوزارة هي الأوقاف الأهلية، والتي تدار بواسطة أهلها حسب شروط الموقف أو بتعيين الناظر من قِبَل القاضي الذي آل إليه الوقف، وهي كثيرة ومتنوعة.. وأما النوع الثالث فهو الوقف الخاص بالموسرين؛ حيث يولي المُوقِفُ أصلحَ أبنائه أو أحدَ العلماء أو أي جهة من الجهات الموثوق بها وهي كثيرة جداً؛ لكن جلها غير مسجل تسجيلاً رسمياً؛ نظراً لعدم حاجتها للوزارة بحكم عدم وجود مشاكل فيها".
وأردف: "الوزارة في العِقدين الماضيين حرّكت سُنَة الوقف وعقدت أربعة مؤتمرات دولية وعشرة مؤتمرات محلية، ونتج عنها مناقشات وتوصيات ورؤى كثيرة، كما نشطت الوزارة الوقف على المرافق التي تُشرف عليها؛ مثل مكاتب الدعوة التعاونية لتوفير الدعم الذاتي".
وأشار "آل الشيخ" خلال حديثه في "غرفة مكة"، إلى أن وزارته -ممثلة في وكالة الوزارة لشؤون الأوقاف- اقتنعت في عام 1423ه بضرورة فصل الأوقاف عن إدارة الوزارة وجعلها تحت مؤسسة مستقلة، كما اقتنع بذلك مجلس الأوقاف الأعلى، ووضع أول محضر مع نظامه في عام 1424ه بتوقيع أصحاب المعالي وزيريْ العدل والمالية، ورُفع ذلك للملك فهد بن عبدالعزيز، ثم أعيد للملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي رأى -بعد مناقشات في هيئة الخبراء ومجلس الشورى- أن الأوقاف أكبر من أن تُشرف عليها مؤسسة، ويجب أن تُشرف عليها هيئة يكون لها محافظ بمرتبة وزير؛ حيث أعيد النظر في ذلك في شهر رمضان من عام 1430ه.
وأوضح الوزير "آل الشيخ" أثناء إجابته على استفسارات الحضور في اللقاء الذي نظمته لجنة الأوقاف في "غرفة مكة"، أن في المملكة 124 ألف عقار وقفي، نسبة كبيرة منها كانت بلا وثائق أو إثباتات؛ لكن الوزارة عملت -خلال السنوات الماضية- على توثيق نسبة كبيرة لمنع الاعتداء عليها؛ فيما عملت الوزارة على إنشاء الصناديق الوقفية الموقوفة على مناحي المجالات الدينية والحياتية والتنموية، وعددها 12 صندوقاً وقفياً؛ منها الصندوق الصحي.
وألمح الوزير إلى أن لدى وزارته حزمة دراسات وأبحاث جاهزة تُعنى بتطوير الأوقاف؛ لكنها تحتاج إلى بيئة حرة وصلاحية قادرة، وسيكون تفعيل وتطبيق الدراسات مفيداً في ظل إنشاء الهيئة الخاصة بالأوقاف.
وأفاد الوزير بأن وزارته خلال السنوات الماضية، اجتهدت في حل كثير من مشكلات الأوقاف والعمل على إخراجها من الروتين الحكومي؛ مما أدى في عام 1430ه إلى تحريك الأعمال الوقفية في الغرف التجارية، وكانت الانطلاقة من "غرفة الرياض"، ومن أهم نتائجها: تجهيز صِيَغ جاهزة مدروسة من النواحي الشرعية والقانونية للأوقاف التي يريد رجال الأعمال إيقافها؛ بحيث يكون دور الوزارة مراجعة تلك الصيغ، كما نتج عن ذلك تطبيق فكرة الشركات الوقفية بالتنسيق مع وزارة التجارة، وهي شركات وقفية بصِيَغ جديدة حضارية لها عنصر الرقابة من قِبَل وزارة التجارية، ولها أصولها ونظامها وفق أنظمة الشركات.
وقال "آل الشيخ": إن الأوقاف لا ترتبط بالقيادة فقط؛ لكنها ترتبط بمنظومة كاملة ولها فريق عمل، كما أن وظائف الأوقاف الحالية لا تتناسب مع هذا الكم الهائل من الأوقاف؛ لأن البيئة الإدارية غير مؤهلة لتنفيذ قرارات مجلس الأوقاف.
ووعد الوزير نُظّار الأوقاف والمهتمين بنقل فكرة السماح، بمشاركة الأوقاف في المشاريع الاستثمارية الكبيرة؛ مثل مشروع وزارة المالية في منطقة كدي المتمثل في بناء أبراج فندقية، وخاصة أموال تلك الأوقاف التي ما زالت إجراءات صرفها معطلة، بالإضافة إلى حل مشكلة بطء إجراءات صرف مبالغ نزع ملكيات العقارات الوقفية بمكة التي بدون أمتار.
وأضاف أنه عَرَض الملف شخصياً على الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وتم إصدار أمر الإعفاء من التمتير؛ رفعاً للضرر عن أهل مكةالمكرمة؛ لكن الأمر فُسّر على أنه خاص بأوقاف المغاربة فقط.
وعن الاتجاه في بناء المساجد قال الوزير "آل الشيخ": "الوقف ثوابه بحسب منفعته، وكلما كانت منفعته أوسع، كان أجره أعظم"؛ مؤكداً أن بناء المساجد القريبة من بعضها منافسة غير شرعية.
وأدار لقاء الوزير، رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية ماهر بن صالح جمال، استهله بكلمة قال فيها: إن مكةالمكرمة ثرية بالأوقاف المتنوعة، وكثير منها تَعَطّل نتيجة المصلحة العامة المتمثلة في الإزالة لصالح المشاريع التنموية؛ مما أثّر على النظّار والمستحقين، وأيضاً على التنمية العامة في المدينة؛ فهناك مليارات الريالات هي قيمة العقارات الوقفية المنزوعة، لم تُسَلّم لأصحابها.
وتضمّن اللقاء عرضاً مرئياً عن لجنة الأوقاف في الغرفة التجارية الصناعية بمكةالمكرمة؛ حيث بيّن أنها أسست لإحياء سنة الوقف ونشر ثقافته وتقديم الخدمات التخصصية الاقتصادية والاستشارية، وتنمية مهارات النظار والمهتمين بالأوقاف، وإعداد الدراسات والبحوث، والعمل على إنشاء مركز معلومات عن الأوقاف المكية، وابتكار مجالات وقفية إبداعية.
وأشاد الوزير "آل الشيخ" بالتنظيم الراقي من الغرفة ولجانها؛ مبيناً أن السعي إلى تنظيم الأوقاف وتحديد مهامهما وإعطائها الفرصة للعمل على تنميتها وتطويرها اقتصادياً لخدمة شريحة إسلامية مهمة خدمة لهم، وهذا مما تمتاز به الأمة المحمدية، وقال: لذلك من الواجب على الدولة أن تطور العمل الإداري في تلك الأوقاف، ولا بد أن نوضح توجيهات الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ومن بعده الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولاة أمورنا، التي جاءت لتؤكد أهمية المسارعة في إنشاء هيئة الأوقاف، والتي انتهت تنظيماتها وتشريعاتها من مجلس الشورى، وهي الآن في مراحلها الأخيرة في مجلس الوزراء".
وأكد "آل الشيخ" أن العلاقة بين الوزارة والغرف التجارية والصناعية، هي علاقة مستمرة ودائمة مع رجال الأعمال؛ لإعطاء صور جديدة لتسير العملية الوقفية، وأن العمل جارٍ على قدّم وساق؛ لافتاً إلى أنه تم عقد عدة مؤتمرات خلال الفترة الماضية؛ لرعاية الأوقاف والاهتمام بها وإحياء سنة الوقف، بالإضافة إلى عدد كبير من الملتقيات والندوات في عموم مناطق المملكة.
وأماط الوزير -في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في "غرفة مكة"- اللثام عن عقد لقاءات خاصة مع الغرف التجارية الصناعية في المملكة؛ مشيراً إلى أن اللقاءات تُسهم في تجسيد العلاقة بين الجهات التنظيمية للأوقاف وبين الموسرين الذين يتطلعون إلى وقف لهم، ينفعهم في دناياهم وآخرتهم بتشريعات إدارية آمنة، وإن كثيراً من المخاوف حول إيجاد الأوقاف بمثل هذه اللقاءات التي لها فائدة كبيرة في العلاقة بين الجهات الإدارية والإشرافية والجهات التي تخص الأفراد أو المؤسسات أو الشركات التي توجد أوقاف يمكن إزالتها.
وتابع:" اللقاء كان مثمراً، والنقاشات كانت عالية، وعُرضت مشاكل حقيقة ومدروسة؛ جزء منها أوضحتُ رأي الوزارة فيها، والتي تقبّلها الإخوة الحضور، وجزء منها سأقوم بنقله إلى ولاة الأمور أو جهات الاختصاص لحل مشكلات الأوقاف. ولا شك أن ولاة أمرنا في المملكة يحرصون على سلامة الأوقاف وتطويرها؛ لتؤدي رسالة العبادة في المجتمع ورسالة التنمية؛ من خلال فعاليتها في المجتمع في النواحي الاقتصادية والتنموية وما شابه".
واختتم "آل الشيخ" المؤتمر الصحفي بقوله: "الأوقاف الأهلية حظيت أيضاً بجانب كبير من النقاش، وعرضت أبرز الصعوبات والمشاكل التي تواجهها والتي تم رصدها؛ تمهيداً لوضع حلول جادة لها، تتسم بالسرعة في إيصال الحقوق لأهلها، وهذا ديدن الجميع في إيصال الحق لأهله؛ لكن يحتاج الأمر إلى التسريع، وهذا ما نتناوله في طرحنا لحلول الكثير مما عُرض من المشاكل والاستفسارات التي طرحها المهتمون من الحضور للقاء الذي شهدته غرفة مكة".