جميع الكتاب كانوا في زمنه يشعرون بالاطمئنان.. لأنه ببساطة شديدة يتحمل مسؤوليته كرئيس للتحرير في بيان وجهة نظره التي تتسع إلى كل الآراء والأفكار التي يعبر عنها الكتّاب في جريدة الرياض.. قبل عدة أيام رحل الصحفي الكبير الأستاذ تركي السديري إلى الرفيق الأعلى، تاركاً آلاف المقالات الصحفية عبر مسيرته الطويلة.. إضافة إلى تتلمذ العشرات من الكُتاب والصحفيين على يديه.. وبمناسبة فقد هذا الرجل الكبير، من الضروري أن نتذكر إيجابياته وحسناته، التي امتاز بها الراحل الكبير خلال مسيرته الطويلة في رئاسة تحرير جريدة الرياض. وأود في هذه المناسبة التي نفتقد فيها جميعاً هذا الأستاذ الكبير أن أطرح مجموعة من الأفكار والرؤى التي توضح خصائص هذه المدرسة الصحفية التي امتاز بها الأستاذ تركي السديري سواء على مستوى طريقة إدارته لهذه المؤسسة الإعلامية الضخمة وذات التأثير الكبير، أو على مستوى مقالاته الصحفية ونظراته التحليلية.. الدمج بين الخبر والرأي: حين التأمل في طبيعة المدارس الصحفية التي تشكلت في صحافتنا المحلية على ضوء هذه التجربة المستمرة خلال أكثر من أربعة عقود، نستطيع القول إن الكتابة التحليلية المتميزة هي تلك الكتابة التي تدمج بين أهم الأخبار والرؤية والتحليل الذي يمتلكه الكاتب أو المحلل.. ولقد امتازت مدرسة تركي السديري الصحفية أنه كما يعتني بأهم الأخبار السياسية، كذلك يعتني بالرؤية أو الموقف النظري الذي يربط طبيعة العلاقة بين الحدث السياسي وانعكاساته النظرية والسياسية.. فهو لا يقدم سرداً خبرياً مجرداً عن التحليل السياسي أو الرؤية النظرية، كما أنه لا يقدم رؤية سياسية مجردة عن أهم الأخبار السياسية.. لذلك فإن مدرسة تركي السديري الصحفية تمتاز بالدمج المتميز بين الأخبار السياسية والرؤية السياسية التي تحلل هذه الأخبار وتوضح العلاقة العميقة التي تربط بين هذا الخبر أو الحدث السياسي والرؤية التي توضح هذه العلاقة العميقة التي تربط بين هذه الأخبار أو الأحداث السياسية.. لذلك امتازت كتابات المرحوم السديري بهذا الدمج الذي يحلل الأخبار وفق نسق تحليلي عميق تمتاز به كتابات المرحوم بإذن الله تعالى.. من خلال معرفتي المباشرة مع الراحل السديري أتمكن من القول إن الراحل الكبير كان يمتاز ضمن امتيازات عديدة أنه يقبل الرأي المختلف والتحليل المغاير لوجهة نظره.. ويمتلك الشجاعة النفسية للدفاع عن جميع الكتاب في مؤسسته الصحفية.. وهو بهذا يقدم مستوى راقياً من النبل واللياقة الرفيعة في حماية من يكتب في مؤسسته الصحفية.. وخلال الفترة الطويلة من الكتابة في جريدة الرياض، أتمكن من القول: إن جميع الكتاب كانوا في زمنه يشعرون بالاطمئنان.. لأنه ببساطة شديدة يتحمل مسؤوليته كرئيس للتحرير في بيان وجهة نظره التي تتسع إلى كل الآراء والأفكار التي يعبر عنها الكتّاب في جريدة الرياض.. ولذلك أتمكن من القول إن زمن تركي السديري الطويل في رئاسة التحرير في هذه الجريدة برز مجموعة من الكتاب والمحللين الذين يعبرون عن آرائهم العلمية والفكرية باطمئنان تام.. ولعل هذه المسألة مما تحسب للأستاذ تركي السديري أنه يسمح لكتاب الجريدة بالتعبير عن أفكارهم وتحليلاتهم دون العبث بموضوعاتهم وأفكارهم.. لعوامل ذاتية وموضوعية عديدة فإن تركي السديري في زمن رئاسته للتحرير في جريدة الرياض، كان يتم التعامل معه من مختلف المستويات والمواقع بوصفه أكبر من رئيس التحرير.. ودائما كان الراحل الكبير على مستوى الثقة والمسؤولية فهو لم يتخلَ عن أحد، وكان دائماً في موقف المدافع عن الكتاب والمثقفين. وذاكرتي وذاكرة غيري مليئة بالقصص التي توضح هذه المسألة.. لذلك فإن فقد هذا الكبير سيترك تأثيراته على كل المؤسسات التي يديرها.. وبحق أستطيع القول وبدون مواربة أن الأستاذ السديري كان كبيراً على كل المستويات، وكل الكتاب والصحفيين وبالذات من عمل تحت مسؤوليته.. لأنه كان بمثابة الأب للجميع، بدون تفريق بين كاتب وآخر، أو بين مسؤولية وأخرى.. وقد حظينا جميعاً بهذه الرعاية والاهتمام من قبل هذا الأب الكبير الذي تعامل معنا جميعاً بمثابة أبنائه الذي يأخذ بأيديهم للمزيد من التألق.. وفقد هذا الراحل الكبير في ظل هذه الظروف الاستثنائية التي تعيشها كل المؤسسات، يحملنا جميعاً مسؤولية العمل والجهد المتواصل لحماية كل المنجزات الوطنية، ونعمل معاً للإضافة عليها.. كما أن هذا الراحل الكبير يحمل كل القائمين على الإعلام والثقافة في هذا البلد للاهتمام بتجربة هذا الراحل ومدرسته الصحفية، وهذا يتطلب القيام بجملة من المبادرات للتعريف بهذا الكبير إعلامياً.. ونهيب بجريدة الرياض لطباعة كل مقالات الراحل الكبير.. وخلاصة الأمر: أن الفقيد يمتاز بمجموعة صفات وخصائص، وكان لهذه الصفات والخصائص الدور الكبير الذي أهل الأستاذ السديري لإدارة جريدة الرياض، وعكس هذه الخصائص في تجربته الإدارية والكتابية.. والأستاذ السديري ومن خلال تجربته الإدارية والإعلامية، نتمكن من القول: إنه من أبرز العمالقة الذين مروا على الإعلام في المملكة العربية السعودية، وترك بصماته وتأثيراته الكثيرة في هذه المسيرة الإعلامية المتصاعدة.. رحم الله الفقيد وأسكنه الفسيح من جناته، وألهم ذويه الصبر والسلوان..