يتميز البشر في التفضيلات، أي اختيار أنواع موسيقية، فتمثل تيارات أو مدارس، عما سواها، فهي تكشف عن خيارات شخصية كما تمثل عن سياق اجتماعي ونسق ثقافي يعد الأفراد نماذج تشترك أو تتنافر في ذلك النوع أو سواه. وتمكنت الكثير من الأبحاث في علوم إنسانية واجتماعية من اكتشاف إستراتيجية السماع وأنماط شخصية المستمع، وتتدخل عوامل اجتماعية مؤثرة كالطبقة الاجتماعية، والسلالة البشرية، والجماعات الثقافية وسواها. إذ إن المستمع يتمكن من تطوير حساسية أكبر حيال عنصر وجوانب، فنية أو أدبية أو معاً، ويثمن دور الخبرة والتدرب والتعرض المستمر إلى الموسيقى في تحسين أو تخلف الذائقة الفردية. فإذا عرفنا أن هناك أسلوبين يمثلان إستراتيجية الاستماع، وهما: الموضوعي، والوجداني. يعمد الموضوعي في صورة تحليلية، إلى العمق، داخل العناصر المركبة، لذلك الفن أو الأدب، ويركز على العملية الفنية أو الأدبية أو معاً، في نموذج "الأغنية، ويهدف إلى متعة جمالية. وأما الوجداني قائم على الانفعالية، على السطح، ربما يركز على العناصر في صورتها النصية أو الإيقاعية، سواء في الصياغة الشعرية أو تكرارية الميزان الإيقاعي، ويترجم استماعه إلى خيال خارج المنتج عبر خبرته الذاتية. وعرف في عالم علم النفس الشخصي، شخصية الانبساطي والانطوائي، فالأولى تعاني من نقص الاستثارة أو النشاط في المخ، فتجنح إلى ما يرفع هذه الاستثارة عبر فنون في الصوت صاخبة، أو في اللون ناصعة، أو في الأفلام عنف وتشويق. وأما الانطوائية فهي تعاني من زيادة النشاط في قشرة المخ، فيبحث عما يمكن أن يخفض هذا النشاط، في فنون بالصوت هادئة، في لوحة تأملية، أو فيلم غامض الأحداث. إذن، يتضح بأن الشخصيات الانبساطية تتجه في اختياراتها إلى أنواع غنائية ذات عناصر محددة في شكلها الشعري ونغمها المقامي وميزانها الإيقاعي، مثل المواويل والقصائد والموشحات بينما تتجه الشخصيات الانطوائية نحو أنواع غنائية ذات تيارات تجديدية، تعتمد أبنية شعرية حداثية وألحاناً متعددة التحويلات المقامية، ومتغيرة في موازينها الإيقاعية، مثل الأغاني العاطفية والدرامية والحوارية، بينما تتجه الانبساطية في صورتها المرضية إلى أنواع غنائية – وإن كانت ذات عناصر محددة في الشكل والنغم والإيقاع-، فهي تركز على أساليب لحنية وطرق أداء ذات حيوية عالية ومحتوى انفعالي وحسي بينما تتجه الانطوائية في صورتها المرضية إلى حالات انطباعية حادة وغامضة في اختيارات تمثل أفرادا ولا تشترك فيها مجموعات يمثلها ذوق عام. ولولا التفضيلات لبارت الأغنية والموسيقى..