مهنة الطاهي المتخصص (الشيف) إحدى المهن العريقة في سوق العمل العالمي سواء من خلال المطاعم المتخصصة أو قطاع الضيافة والفنادق العالمية، وتعد في سلمها المهني أشبه بالقطاع العسكري لتسلسل الرتب لا يأخذها إلا جدارةً واستحقاقاً من امتلك الصبر وقوة التحمل والشغف المتقد وال"نفس" المتميز الذي يجعل لأطباقه بصمة. الشغف.. سر البداية الشغف الدافع الخفي الذي يوقد الرغبة ويربط على أيدي الصبر ليكون الحلم أقرب للحقيقة، ولنسمع اليوم ونشاهد نماذج لطهاة سعوديين باتوا يتنافسون لتحقيق ذاتهم مثبتين أنها مهنة تستحق التحدي. يبتسم الشيف سعيد الهوساوي عند سؤاله عن بداياته ويقول: "ولد هذا الشغف لدي منذ الصغر كان يأخذني الفضول كلما شاهدت أمي تمزج المقادير لتصنع طبقا لذيذا وأبدأ السؤال عن المكونات وطريقة الإعداد".. ولا تبدو تجربة الشيف عبدالعزيز هوساوي مختلفة كثيراً عن الشيف سعيد حيث يحكي عن بداياته قائلاً : "في البداية كنت أطهو لأفراد العائلة والأصدقاء، بالذات بالرحلات الشبابية فلم يكونوا يحبون شيئاً مثل الدجاج المشوي الذي أقوم بتتبيله وتحضيره بنفسي وبشكل مهني بدأت منذ عام 2000م بأحد الفنادق الكبيرة كمساعد في المطبخ، في بداية الأمر كان قراري بالنسبة لعائلتي أمرا يصعب قبوله، وقوبل بالرفض حتى من قبل الأصدقاء الذين يقدرون موهبتي وما أقدمه لهم من أطباق في الرحلات، ومع ذلك تمسكت بالعمل في المجال الذي أحبه كان الحب هو الدافع الأساسي الذي جعلني أتمسك بالمهنة وذلل أمامي الصعوبات". أما الشيف رضا العمري فقد تملكه منذ اللحظة الأولى الشغف في رائحة المخبوزات، ولذة السكر في الحلويات بالرغم من أن التخصص في الحلويات والمخبوزات أو ما يعرف "بالبستري" يعد أكثر صعوبة من الأطباق المالحة إلا أن حبه للمهنة جعله يستمر في المجال حيث شغف التعلم المستمر فعلى حد قوله "كل يوم في المطبخ يعد يوما جديدا، وكل يوم انت لا تزال تتعلم وتكستب المزيد من المهارات هذا ما يجعل الشغف مستمر دون توقف". نواعم.. يدفعهن الحب لتحمل صعاب المهنة ولم يكن المشهد السعودي مقتصراً على الشباب فقط، بل دخلت المرأة السعودية التي تكافح كل يوم لإثبات ذاتها في وظائف كانت حكراً على الشباب، ليس محلياً فحسب بل يتشارك الفكر العالمي هذه النظرية أن مهنة الطهي، مهنة ذكورية لا تناسب النواعم. حيث تتطلب المهنة العديد من التحديات التي يرى الكثيرون أنها لا تتناسب ونعومة الفتيات، من سهر لساعات متأخرة وساعات عمل تتجاوز تسع ساعات أحياناً، وضغط عمل عالٍ، والعمل خلف الموقد وأمام أبخرة الأطباق، ولكن اليوم أثبتت المرأة أنها قادرة بطاقة الحب التي بداخلها أن تذلل كل الصعاب، وتحديات المجتمع أو الفكر العالمي، أو حتى ظروف العمل المتغيرة، وأثبتت أنها قادرة بالمهارات التي تميزها من مقدرة عالية على آداء العديد من المهام في وقتٍ واحد وبتركيز متساوٍ أثبت كفاءتها وتميزها. ووضعت ذلك الحب ليكون نكهتها الخاصة بالأطباق، ولم تشكل كل التحديات أمامها عائقاً سواءً ندرة التعليم حيث سعت بكامل طاقتها للاستفادة من الدورات أو الأكاديميات العالمية أو حتى التطوير الذاتي ولم تكن التزامتها العائلية أو العمر أمامها عائقاً حيث تقف أمامنا الشيف آمال سلامة مثالاً يحتذى به عن كون الشغف لا عمر له، حيث التحقت بفريق المطبخ في أحد الفنادق العالمية بجدة قريباً واستطاعت أن تصنع لنفسها بصمة تميزها رغم كبر سنها، ولم تكن زميلتها أبرار عبدالله مختلفة كثيراً عنها، حيث أثبتت نفسها من خلال مشاركتها في مسابقات الطهو حيث نالت على خمس ميداليات إحداها ذهبية، لتلفت أنظار الفنادق إليها وهي اليوم تعمل ضمن فريق الطهاة في أحد الفنادق الراقية في جدة جنباً إلى جنب والخبرات العالمية. تحديات.. ورفض اجتماعي برغم إيمان المحيطين ومعرفتهم بهذا الشغف الكامن الذي يسكن دماء الشيف عبدالعزيز هوساوي إلا أن الرفض كان في البداية قوياً جداً من أقرب المقربين ويرجع عدم التقبل الاجتماعي لمهنته إلى عدم الإيمان بمستقبل هذه المهنة، ولكون الأمر غير اعتيادي وغير مألوف بشكل كبير في المجتمع، ويقول "لكن الحقيقة غير ذلك تماما فمستقبل العمل في المطابخ بالأخص في الفنادق العالمية جيد جدا، وتعد مهنة ذات وزن ومكانة، ودخلها متميز، واليوم وبعدما قطعت شوطا طويلا في هذا المجال، أصبحت مصدر فخر لعائلتي، ومحفزا لأصدقائي لخوض هذه التجربة" أما بالنسبة للشيف رضا العمري فقد كان محظوظاً بدعم محيطه له حيث نشأ في بيئة تدعم توجهات الفرد بالرغم من ندرة هذا التخصص إلا أنهم دعموا رغبته. تحديات المهنة الفن والجمال يحيطان بظاهر المهنة إلا أنها في حقيقة الأمر تعد من المهن التي تتطلب الكثير من الصبر وقوة التحمل وهذا ما اشترك في قوله الطهاة حينما سألناهم عن أبرز متطلبات المهنة وتحدياتها، حيث العمل كطاهٍ يعني ساعات عمل طويلة تحت ضغط وحرارة أبخرة المطبخ، وفي أحيانٍ كثيرة العديد من الطلبات لضيوف يجب إرضاؤهم بتقديم الطلب في الوقت المناسب والنكهة والطعم الممتاز، وأحد أبرز التحديات التي تواجه الطهاة السعوديين عدم توفر اكاديميات متخصصة تؤهلهم منذ البداية لتعلم اسس المطابخ العالمية وتختصر عليهم الطريق معرفياً وتزودهم بما يحتاجون إليه للمنافسة العالمية ومع ذلك استطاع الشباب اليوم من خلال التعلم التطبيقي واكتساب الخبرة اللازمة اثناء عملهم وما تقدمه لهم الفنادق العالمية من تدريب أن يطوروا انفسهم للمنافسة، حيث يقول الشيف عبدالعزيز: "ومن التحديات التي نواجهها أنا وجيلي من الطهاة السعوديين عدم وجود أكاديميات متخصصة، ولكن اليوم تغير الوضع وأصبحت الفرصة أفضل للشباب للتعلم بالأكاديميات وممارسة المهنة، ولحل هذه المشكلة كنا نتعلم من خلال التطبيق والممارسة ورحلات التدريب والانتداب التي تقدمها الفنادق كفرصة تطويرية لموظفيها". ويقول الشيف رضا العمري: "كل المجالات فيها تحديات بالأخص حينما تقدم شيئاً لأذواق مختلفة من الناس ولكن المجال جداً جميل وواعد حتى من ناحية الرواتب". جوائز عالمية وبصمة شخصية تعد المشاركة بالمسابقات العالمية والحصول على الجوائز التي أعدت أسسها بناء على قواعد عالمية، أحد ابرز الأشياء التي تميز الطاهي وتضيف إلى سجله المهني قيمة احترافية تعطيه المزيد من التفرد وتضعه ضمن المنافسة العالمية في المجال، وأثبت الطهاة السعوديون اليوم بحصولهم على هذه الجوائز أنهم على كفاءة عالية ومزايا عالمية حيث نال الشيف سعيد هوساوي العديد من الجوائز والعضويات كان ابرزها ميدالية برونزية في مجال الطهي ودرع من شركة بويكر لصحة وسلامة الغذاء ودرع كفريق منافس في مسابقة هوريكا بالرياض، ويتميز الشيف سعيد هوساوي اليوم بالمطبخ الفرنسي الذي يعد أحد المدارس العريقة في الطهي. أما الشيف عبدالعزيز فيقول حول حصوله على العديد من الشهادات والتكريمات: "لقد حصلت على عدد من الشهادات العالمية في مجال المطبخ، من أبرزها شهادة إي كريستيل العالمية لسلامة الغذاء، وشهادة سلامة الغذاء من فندق موفنبيك مكة، وعدد من الشهادات، كما توليت تدريب عدد من طلبة التخصصات السياحية والفندقية ليكونوا الجيل الجديد من الطهاة السعوديين"، ويتميز الشيف عبدالعزيز الهوساوي اليوم بعد اتقانه للعديد من المدارس العالمية ب"نفسه الخاص" في المطبخ الشرقي وتحديداً في الأكلات السعودية والخليجية حيث صنع لنفسه بصمة خاصة. ويتحدث الشيف رضا العمري فيقول: "صنعت بصمتي الخاصة في عالم الطهي من خلال تميزي في مبطخ "البيستري" الحلويات والكعك والمخبوزات، بالرغم من ندرة السعوديين بهذا التخصص إلا أني استطعت أن أتميز بما أقدمه اليوم، ويبتسم حين سؤالنا عن ما يميزه ليجيب: "بالرغم من أنه لدي المهارة لإعداد الأطباق العالمية، إلا أني مشهور في البسبوسة وأم علي، ولكن خارج نطاق الفندق الذي أعمل به". وتعد المهنة اليوم واعدة وتبشر بمستقبل احترافي للشباب السعودي بعد إثباتهم لذاتهم وتخطيهم للعديد من التحديات. سعيد هوساوي أبرار عبدالله السعوديات أثبتن مهارتهن في المهنة رضا العمري عبدالعزيز الهوساوي آمال سلامة