في رثاء معالي الدكتور غازي القصيبي للشيخ ابن باز رحمة الله عليهما قال: (إذا قيل "الشيخ" عرف الناس الرجل المقصود, ومن غيرِ ابن باز يستحق ذلك اللقب), وأقول هنا إذا قيل الأستاذ فإنه يتبادرُ إلى الذهنِ أستاذ الصحافةِ الأستاذ تركي بن عبدالله السديري رئيس تحرير جريدة الرياض, الذي قضى جلَّ عمره فيها حتى خبرها وخبرته بدأت معرفتي بالأستاذ في عامِ 1387ه حينما كنتُ أرقب نتائج المرحلة الابتدائية التي تزفها الرياض آن ذاك حيثُ تُكتب الأسماء بها, وتشرئب الأعناقُ إليها, فكان الجمعُ غفير أمام جريدة الرياض في المرقب وفي الهزيعِ الأولِ من الليل, خرج علينا الأستاذ وقال: (أيها الأخوة.. أيها الأبناء.. الجريدةُ لم ينتهِ صفُ أحرفها وبإمكاني أن أُخرجَ لكم بيانات أسماءُ الناجحين, لكن خشيةَ ألا يكونَ اسمُ أحدٍ منكم في البيانات فيصعبُ عليَّ ذلك, فأرجوكم لا تضعوني في موقفٍ لا أريدُ أن أقفه, فأمنيتي أن تكونُ أسماؤكم من بين الناجحين), قدّر له المجتمعون الموقف ودعوا له لموقفه الكريم وشعوره النبيل وكنتُ في مكتبه قبيل استقالته من جريدة الرياض بأيام, وتحدث عن رغبته في الاستقاله, فقلتُ له وزاويةُ "لقاء" التي ينتظرها قرّاء جريدة الرياض الذين يصعبُ عليهم فراقها, فبادرني لا, سأستقيلُ من رئاسة التحرير أما الكتابة فهي عشقي وسلوتي, من خلالها أتنفس وأستنشقُ رحيق الصحافة, إذ كان يشكو ألمًا في ظهرهِ، وذكر لي أنه سيجري العملية بعد أسبوع, فدعوتُ له بالشفاء وودعته رحم الله الأستاذ عاش معلمًا وأستاذًا في جريدته الرياض التي أحبها وأحبته, وجعلها أكاديمية صحفية تخرج من خلالها الصحفيون والكتاب وأصحاب القلم, فقد عُرف عن الأستاذ تركي استقطابه للكتّاب ومنحه إياهم المكافآت المجزية, وكانت ملحوظاته وتوجيهاته وتسديداته تصبُ في مصلحة الكاتب ومصلحة الكتابة, فبحق يعدُ الأستاذ مدرسةً في علم الصحافة, وحريٌ بكليات الإعلام في الوطن العربي وفي وطننا خاصة أن تدرس منهج الأستاذ في الإدارة الصحفية وكنت كتبتُ مقالاً في جريدة الرياض بعنوان: "ومن غير الرياض يستحقُ" يوم السبت 12 محرم 1432 ه في العدد 15567 ذكرتُ فيه (أن صحيفة الرياض ليست مجرد صحيفة يومية بل مدرسة وأكاديمية صحفية فيها ومنها تخرجت أقلام وأبدعت عقول تبوأت مراكز في العمل الصحفي), فلم يكن هذا إلا بعونٍ من الله ثم بكفاءة وقدرة رئيس تحريرها المرحوم الأستاذ تركي, رحمك الله أيها الأستاذ رحمةً واسعة والعزاء لصحيفتك وزاويتك وزملائك وأبنائك ومحبي قلمك.