فقدنا يوم الأحد الماضي المشرف العام، ورئيس تحرير جريدة "الرياض" السابق الأستاذ تركي بن عبد الله السديري، حيث غادر هذه الحياة إلى حياة أفضل بإذن الله، الفقد ليس بالسهل ولكن هذه سنة الحياة. كثير من رؤساء التحرير يغادرون صحفاً كانوا يرأسونها، مجرد خبر وسطر يضاف إلى تاريخ الجريدة وسيرة الرجل، ولكن بالنسبة للأستاذ تركي السديري الأمر مختلف تماماً، أقول هذا من تجربة أكثر من خمسة عشر عاماً عملت بها في جريدة الرياض تحت رئاسته، لقد نقش اسمه في كل ما له علاقة بمؤسسة اليمامة الصحفية وبصفة خاصة جريدة "الرياض"، نشعر كمحررين بمتابعته ودعمه، ونستفيد من رؤيته، وهذه الرؤية حققت للجريدة كل نجاح وتميز، يغادر مكتبه.. يطوف بالجريدة متفقداً الأقسام محفزاً المحررين على العمل، معلقاً بود على بعض أصدقائه الصحفيين، الجميل فيه إنه يكره التملق والمدح، وأنا أتذكر مقالة له في زاويته الشهيرة لقاء بعنوان "اعتذار للقارئ وبكثير من الألم" حول نشر اسمه وصوره في تغطية عن مؤتمر في مصر. تركي السديري أنموذج مهم لرئيس التحرير المثقف ونجد ذلك في مقالاته اليومية القصيرة أو أيضاً كتاباته الأسبوعية التي كان ينشرها سابقاً، وأتمنى أن ترى النور قريباً، وأعرفه قارئاً ومتابعاً جيداً، وقد أشرع صفحات الجريدة لعدد من الأدباء والأديبات والمثقفين العرب، بل وحرص على دعمهم من خلال النشر بالجريدة، والقائمة طويلة. لقد كانت ولا تزال جريدة الرياض تتميز بالمتابعة ويكتب فيها الصفوة، ولا تقبل مطلقاً ما دون الجيد بل تبحث عن المتميز الذي يضيف للقارئ الفائدة والمتعة، وهيبة الرياض ما هي إلا وشاح سعى الأستاذ تركي السديري أن يجللها به. إن كل من عمل في جريدة الرياض يحق له أن يفتخر بأنه تخرج من أكاديمية تركي السديري - رحمه الله - الصحفية، هذه المدرسة لم تأت من فراغ، بل استفادت كثيراً من متابعة وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله- القريب من كل المثقفين ومن ضمنهم الصحفيين وكانت علاقته بجريدة الرياض قوية، يقول الأستاذ تركي السديري في زاويته لقاء تحت عنوان "سلمان.. الرياض أيهما يحتفي بالآخر..؟": إنني لا أتحدث عن الحاضر القريب ولكن عن ما يزيد على الثلاثين عاماً، لم يرض فيها الأمير سلمان أن تتحول المقالة الصحفية إلى "قصيدة نبطية" وأن تصبح الصفحات مجرد لوحات عرض صور.. إنني أتحدث عن تجربة.. بل وتجارب مريرة شعرت في بعضها أن الصحافة تضيق أحياناً بمدلول مفيد لها عندما تتحول إلى ما يشبه قصر الأفراح في مظاهرها الشعبية الساذجة.. وتضيق حتى تصبح أشبه بغرفة توقيف في مخفر شرطة قديم لا يعرف مصيره فيه، وكانت رحابة بعد النظر عند الأمير سلمان تهدم جدران ذلك الضيق الخانق برؤية ومنافذ أمل تتجاوز المثبطات ونتوءات احتداد تعارض الصواب أو الخطأ الصحفي بوجهات النظر الشخصية"، هذه بعض ملامح رؤيته للعمل الصحفي حيث سعى في لقاءاته للمحررين أن يطرحها، وفعلاً كانت الاجتماعات التي نُبلغ بها لنستمع إليه متحدثاً كانت من أهم المحاضرات التي جعلتنا كمحررين نواصل مسيرتنا الصحفية بهمة، وأنا بكل تأكيد عند السؤال عن مسيرتي الصحفية سأقول حاصل على شهادة أكاديمية تركي السديري الصحفية، رحمه الله وأدخله فسيح جناته.