على مدى ثلاثة وخمسين عاماً هو عمر صحيفة «الرياض» منذ صدور عددها الأول في غرة شهر المحرم من عام 1385ه لم يكن الأستاذ تركي بن عبدالله السديري -رحمه الله تعالى- هو فقط هو من اقترن اسمه برئاسة تحريرها لأكثر من أربعة عقود، بل كان حامل لواء تطويرها، وباعث روح المنافسة المحفزة بين زميلاتها من الصحف السعودية الأخرى، إن لم يكن كذلك الحاضن لأول قسم للإعلام في الجامعات السعودية بجامعة الرياض آنذاك، عبر طباعة صحيفة القسم (رسالة الجامعة) في بدايات صدور أعدادها واستقطاب خريجي القسم لممارسة العمل الصحفي في جريدة الرياض، بخلاف رئاسة هيئة الصحفيين المهنية. قد يطيب للبعض أن يربط بين مراحل التطور المهني للرياض «الصحيفة» التي قاد دفتها الفقيد على مدى الأربعين عاماً الماضية بمراحل نمو أو تطور الرياض«المدينة أو «العاصمة» مقر الصحيفة، فيصنفها إلى ثلاث مراحل تبدأ من النشأة في حي المرقب بمنتصف الثمانينيات من القرن الهجري المنصرم مع ظهور حركة التنمية في المملكة بمقر متواضع ومستأجر للصحيفة بذلك الحي الواقع شرق المدينة محدودة المساحة آنذاك، وصدور الجريدة بست صفحات وطباعة بدائية ومحررين لا يتجاوز عددهم عشرة أشخاص، لتأتي المرحلة الثانية التي تزامنت مع بداية النمو السريع لمدينة الرياض نتيجة الطفرة الاقتصادية حينها، وتولي الأستاذ تركي -رحمه الله- رئاسة تحريرها وانتقال جهاز الصحيفة التحريري والفني إلى المبنى الجديد للصحيفة في حي الملز عام 1394ه وتحقق للصحيفة أثناءها قفزات واضحة في العمل الصحفي، بزيادة عدد صفحاتها، وإدخال الألوان في طباعتها، وسعودة كامل جهاز التحرير بها، وافتتاح القسم النسائي بالصحيفة الذي يعد أول قسم نسائي على مستوى الصحافة السعودية، لتأتي بعد ذلك المرحلة الثالثة والأخيرة في عهد الفقيد بانتقال الصحيفة لمقرها الجديد بحي الصحافة عام 1414ه حيث وفرت به كافة مقومات المؤسسة الصحفية الحديثة، ليتوج هذه المرحلة -رحمه الله- في السنوات الأخيرة إلى عالم مدينة الرياض الرقمي، وذلك بتدشين أول إدارة للنشر الإليكتروني في الصحف السعودية، وينشئ موقع صحيفة الرياض الاليكتروني، الذي يعد أحد أبرز المواقع الإعلامية العربية على شبكة الانترنت، بما يحظى به من معدل زيارات وتعليقات عالية، تضعه في مقدمة المواقع الاليكترونية السعودية. إن من الصعوبة بمكان الفصل بين مراحل تطور صحيفة الرياض في ذكرى رحيل حامل لواء تطويرها الفقيد الأستاذ تركي السديري وفترات نمو وتطور مدينة الرياض البيئة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي احتضنت كلاً من الصحيفة وذلك الشاب القادم من «الغاط» لتلقي تعليمه بها، فيتبوأ رئاسة تحرير واحدة من صحفها، ويصعد بها لتكون واحدة من أبرز الصحف في المملكة والوطن العربي، فلكل منهم أثره وتأثيره الذي يتداخل ويمتزج مع الآخر، وهذا في اعتقادي ما قد يمكن أن يسهم في إبرازه المحتوى التوثيقي الذي يضمه مركز المعلومات في جريدة «الرياض» الذي أسسه الراحل ليصبح مرجعاً في هذا المجال الواسع من الدراسات المتصلة بمدينة الرياض والصحيفة على مدى الخمسة عقود من تاريخها المديد بإذنه تعالى. رحم الله فقيد الصحافة وعميدها الأستاذ الكبير تركي بن عبدالله السديري رحمة واسعة وجزاه الله الجزاء الأوفى لقاء ما بذله طيلة حياته من عطاء مهني لمجتمعه ووطنه وأمته، وأحسن مثواه، وألهم زوجته وبناته وأبناءه الكرام الصبر والاحتساب على قضاء الله وقدره (إنا لله وإنا إليه راجعون).