لم أكن أتخيل في أي وقت، بأنني سوف أجعل الكتابة همي الوحيد، كنت مشروع مقاول كبير، لكنني رميت ذلك خلف ظهري. عندما توفي والدي -رحمه الله-، وكان يعمل في المقاولات، كانت هناك عدة منازل، مات قبل أن يتمها، ولم يكن في الأسرة غيري، ليقوم برد الأمانات لأصحابها، وقد توليت الموضوع كله، حتى سلمت المنازل لأصحابها، وبذلك نجونا من المؤاخذة. انتهيت من تلك المهمة الكبيرة والمجهدة، لفتى في السادسة عشرة من العمر. ما يسر تلك المهمة قربي من والدي، ومراقبتي اللصيقة لأعماله، لكن تلك التجربة تبخرت، مع أول كتاب أقرأه! حينذاك وجدت نفسي اندفع للبحث عن الكتاب الثاني والثالث، حتى بت أنام مع كتاب، وأستيقظ مع كتاب، وأيقنت، بعد ذلك أن مكاني، وسط الكتب قراءة وكتابة، وقد شغلني ذلك الهاجس عن كل شيء، حتى عن واجباتي المدرسية. وبعد عام واحد، من القراءة المتواصلة، أصبحت أكتب، ما كنت أعده قصصًا قصيرة، ومعها كم من المقالات والخواطر. تلك الكتابات لم تصرفني عن الاستمرار في القراءة، المزيد من القراءة والتجريب في الكتابة! لكنها صرفتني أكثر عن الدراسة والأصدقاء! كانت الشرارة التي جعلتني أتعلق بالقراءة المتدرجة قد بدأت من مجلات الفتيان، ثم مجلات الشباب، التي كانت تركّز على أخبار الغناء والطرب والسينما والمسرح، هذه جرتني لقراءة الصحف المحلية والعربية. الصحف والمجلات أدخلتني إلى عالم الروايات، روايات إحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي وغادة السمان وليلى بعلبكي وغيرهم، حتى دخلت المنحنى الخطر، وهو قراءة الكتب الفكرية، ذات الطابع الأيديولوجي الفاقع، والتي عفا عليها الزمن، مع تفتت منظومة الدول الاشتراكية، وهي التي سحبتني إلى كتاب روايات، ينحون نفس المنحى، ومن أبرز هؤلاء جوركي واليا اهرنبرغ وبريخت، وهؤلاء سحبوني إلى رواد التيار الوجودي، سارتر وكامو وبوفوار، لكن الوحيد من منظومة الرواية الوجودية الذي هزتني كتاباته هو البير كامو، ورائعتيه، الطاعون والغريب! أسأل نفسي الآن بعد هذا المشوار الطويل مع القراءة والكتابه، ما الذي أخذت وما الذي أعطيت؟ والجواب ببساطة، قبض الريح! ولهذا أعزي نفسي، وكثيراً من الكتاب والأدباء، بأننا نقرأ ونكتب للمتعة، للمتعة فقط، حتى وإن كان الثمن، المزيد من القلق والأرق والاكتئاب، وفي بعض المواقع المزيد من التوجس والملاحقة وهضم الحقوق، بحجة أن كتابات هذا أو ذاك، تهدد السلام الاجتماعي، أي سلام اجتماعي هذا الذي يستطيع كاتب، أي كاتب أن يهدده؟