قيل لأرسطو: كيف تحكم على إنسان؟ فأجاب: أسأله كم كتابًا يقرأ وماذا يقرأ؟ سيبدو هذا السؤال مُربكًا وإجابته مُحبطة نوعًا ما، إذا سُئل مواطن عربي مُصادفة مارًا في الطرقات، ليس هذا انتقاصًا منه، ولكن الظروف والتحولات التي يمر بها الوطن العربي جعلت من الكتاب رفاهية لا ضرورة، ومن القراءة فراغا في الوقت لا مطلبا فكريا. في 23 أبريل من كل عام، يحتفل العالم بيوم الكتاب العالمي، وهوتاريخ رمزي في عالم الأدب العالمي، ففي هذا التاريخ من عام 1616، توفي كل من ميغيل دي سرفانتس ووليم شكسبير والاينكا غارسيلاسو دي لافيغا. كما يصادف يوم 23 أبريل ذكرى ولادة أو وفاة عدد من الأدباء المرموقين مثل موريس درويون وفلاديمير نابوكوف، وجوزيب بْلا، ومانويل ميخيا فاييخو. طرحت "الرياض" سؤالًا استقصائيًا على مبدعين عرب، حول وضع الكتاب ومكانته لدى المواطن العربي، وهل يُمكن للكتاب في ظل التحولات الراهنة التي تشهدها المنطقة العربية أن يكون مُعادلًا ومساويًا لكسرة الخبز؟ بمعنى أن تكون مكانته لدى المواطن نفس مكانة لقمة العيش، فكلما جاعت العقول، التهمت الحروف.أمة شفاهية الروائي حميد الربيعي (العراق)، يرى من الصعوبة بمكان في زمن قريب أن يصبح الكتاب معادلًا لرغيف الخبز، فهذا ظرف لم يحن أوانه بعد في المنطقة العربية، بسبب نوع الاشتغالات التي تفرض ثقلها على الساحة من معطيات مرحلية وحتى على المدى البعيد مازالت القضية شائكة بشكل كبير، ثمة الكثير مازال يشغل بال هذه الأمة لعل من المسلمات الملموسة في هذه الآونة، هو الاستقرار الاقتصادي، الذي عادة ما يسبقه الاستقرار السياسي ومن أولى لبناته التي توضع في الحسبان هو نوعية التنمية المستدامة التي تتطلب الاتجاه نحوها بشكل جدي وفعال من خلال التنمية البشرية على كافة الاصعدة وصولا إلى المستوى العالي من التعليم، ثم لاحقا تأتي الثقافة، كمحصلة نهائية لاختيار التوجهات المطلوبة، من ناحية جعل الكتاب معادلا موضوعيًا للرغيف. ثمة اختلافات في بنية المجتمعات العربية، من ناحية التركيبة الاجتماعية ومستوى الوعي لدى الناس، بيد أننا نتساوى من ناحية القراءة ونوعها وانتشارها واقتناء الكتاب، هذه المساواة لم تأت من فراغ أو من العدم، من ناحية البعد التاريخي لتكوين الشعوب، فنحن أمة شفاهية بالدرجة الأولى ولم يكن في يوم ما، قريب أو موغل في تاريخنا، قد دانينا عملية التدوين الذاتي السيري والذي في أولى متطلباته أن يكون اقتناء الكتاب من ضروريات الأسرة العربية ويحسب ضمن ميزانيتها الشهرية. الشبع أولاً ويعتبر الروائي أمير تاج السر (السودان)، أن المقارنة بين الكتاب ورغيف الخبز، في الوطن العربي، تبدو غير عادلة، أي أن يطرح سؤال عن احتمال موازاة الكتاب لرغيف الخبز، هناك بلدان تعاني أصلا من شح رغيف الخبز نفسه، فكما هو معروف، فإن الحياة قائمة على توفير سبلها أولا، ومن ثم النزوح نحو أشياء أخرى مكملة. هذا ليس في الوطن العربي وحده، وإنما في الدنيا كلها، الإنسان يكد ويكدح، ليوفر لقمة العيش، وليس لقمة المعرفة التي تحويها الكتب، ورغم أننا ننادي بضرورة القراءة والاطلاع واكتساب المعرفة، ونكتب المقالات المطولة ونعقد المؤتمرات الخاصة بتشجيع الناس على القراءة، ولا يمكن لجائع أن يقرأ، كما أنه لا يمكن لشخص واقع تحت القصف، ورصاص الحروب والفقر، والمرض، أن يمسك بكتاب. لقد اصطلح أن فعل القراءة، فعل إبداعي، تماما مثل الكتابة، أي أنه يحتاج لمحرض حتى يكتمل، والمحرض هنا هو الشبع والأمن والاستقرار. ولذا لن نغامر ونقول إن الكتاب ليس العربي فقط، وحتى الكتاب العالمي، قد يصبح يوما مرادفا لرغيف الخبز. شخصيا - كما يضيف "تاج السر" - سأفترض أن الحروب انتهت، وثمة استقرار عم كل البلاد العربية، وبدأت بعضها تزدهر ماليا واقتصاديا، بحيث أصبح الحصول على لقمة العيش، أكثر يسرا، لكن لن يكون الحصول على الكتاب برغم ذلك، تلقائيا، يتسوقه الشخص من ضمن مشترياته الروتينية، هناك أشياء كثيرة تسبقه، أشياء استهلاكية قد تكون ضرورية أو غير ضرورية، وفقط تسبق الكتاب في أهميتها. الأمل الآن في الأجيال القادمة، أن تجد مخرجا لأزمة الكتاب بطريقة أو بأخرى، بالرغم من ازدياد المغريات، خاصة الإنترنت التي قضت على كل وقت يمكن استثماره في ما يفيد. الكتاب العدو وترى الدكتورة هند المطيري (السعودية)، أن بعض كتب اليوم لا ترتقي إلى مستوى الرغيف ولا تستحق أن توضع معه في مقارنة. وكثير من الناشرين العرب يخون الثقافة والذوق، ويجعل الربح المادي ميزانه الأول في قياس جودة الكتاب، ما يجعل دخول المكتبة أحيانا عارا على القارئ المحترم والمفكر المنتج والباحث الجاد. فإن الكتاب الذي كان أعز صديق صار اليوم ألدّ عدو؛ لأنه قد ينطوي على مخاطر أقلها إفساد اللغة وتسويغ الأخطاء. نحتاج بحق للكتاب النافع المفيد الذي يجعلنا ننهم إلى المعرفة ونفهم منطق الحياة والكون من حولنا. ونحتاج إلى زراعة الذائقة الناقدة في أجيالنا، حتى يتعلموا التفرقة بين الجيد والرديء، وتلك مسؤولية يتحملها الناشر والمؤلف بالتساوي. وتتصوّر "المطيري" أن الكتاب غدا ضحية للفكر الضحل، وغدا القارئ ضحية لمكتبات تسوق للرديء من القول، وإذا كان القدماء قد أحسوا أزمة الكاتب المعاصر، فإني شخصيا أشعر بأزمة الكتاب المعاصر، الذي أظنه - لو كان يملك من الأمر شيئا- لصرخ في كاتبه وناشره وقارئه: دعوني! وفي ظل الحروب السائدة في بلداننا العربية.. وفي ظل التقلبات السياسية وتغير الأوضاع الاجتماعية، تحول الهم العربي إلى الحفاظ فقط على لقمة العيش والبحث عن الأمان أولًا وتأمين أقل مستوى من الحياة. الإرهاب الفكري وتتساءل الشاعرة ابتسام أبو سعدة (فلسطين): كيف يتساوى رغيف العيش مع الكتاب؟ وتتخذ "أبو سعدة" فلسطين مثالًا على وجهة نظرها، موضحة أن هذا الوطن الذي عانى وما زال يعاني من الاحتلال وتبعاته في تجهيل الشعب الفلسطيني إلا أن نسبة الأمية تكاد تنعدم لدى هذا الشعب الذي يقاوم بكل ما أوتي من قوة، وما زلنا شعبا ينتج إبداعا ويحصد جوائز ويسمو ثقافة، والحال لم يختلف في بقية الدول العربية التي تعاني من الإرهاب اليوم، والتجهيل جزء من الإرهاب أيضا، وعلينا أن ندرك أن الكتاب والفكر جزء من مقاومة هذا الإرهاب الفكري والتدميري لأوطاننا". الاستقرار المادي فيما قالت د. نانسي إبراهيم (مصر) ل"الرياض": "يؤسفني أن نتحدث عن الجانب المادي عند الإجابة عن سؤال يتصل بالإبداع والكتابة، فالكتاب لن يصبح معادلا - بكل أسف - للرغيف حين يفقد القارئ مبادئ العيش وتوفير بعض احتياجاته الأولية، لأننا لم ننشأ في بلادنا العربية على أولولية القراءة هذا من جانب، كما يعاني الكثير في بعض البلدان العربية من عدم الاستقرار المادي والسياسي". رغيف العيش ويعتقد الناقد الدكتور محمد حقي صوتشين (تركيا) أن الكتاب لا يمكن أن يصبح "رغيف العيش" بالنسبة لأي مواطن سواء في تركيا أو في العالم. لأن القراءة تجربة شخصية خاصة للغاية. وقراءة الكتب بحد ذاتها لا تعني شيئا، المهم أن تجري القراءة الواعية ذات النوعية الفائقة فكريا وأدبيا. ويضيف: بالنسبة لاستهلاك الكتب في تركيا تشير أرقام وزارة الثقافة التركية للعام الماضي أنه تم نشر حوالي 380 ألف كتابًا، وهو تزايد بنسبة 6 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من العام الذي سبقه. وتمثل الكتب التي نشرت للمرة الأولى 60 ألف كتابا العام الماضي، 19 بالمئة منها أدبية. على الرغم من تراجع النشر مؤخرا, لكن الكتب المنشورة تجد لنفسها قارئها في ظل حقوق نشر صارمة ومنع القرصنة. وليس جميع الكتب تحقق مبيعات جيدة، هناك كتّاب مثل أحمد أميد وأليف شفق وإسكندر بالا، وأورهان باموك، وإحسان أوكطاي آنار وحسن على طوبطاش وغيرهم تحقق أعمالهم مبيعات جيدة تتراوح بين أربعين ألف نسخة إلى أربع مئة ألف نسخة للكتاب الواحد. وهذا يعني أن هناك فئة لا بأس بها من القراء, ولكن هذه النسب ضعيفة إذا ما قارناها مع معطيات دول متقدمة. تراجع التعليم ويشير د. خالد زيادة إلى أن الأمور تغيّرت منذ نصف قرن من الزمن وحتى يومنا الراهن. فإذا كان القول بأن مصر تكتب ولبنان تطبع والعراق تقرأ.. يعبر عن واقع كان قائمًا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. فان هذا الواقع قد تغير في الوقت الحاضر، فالكتابة تأتينا من كل بلدان العالم العربي وقد انتشرت الطباعة في اكثر من بلد عربي. صحيح ان مصر ما زالت الأكثر غزارة لجهة التأليف الا انها أصبحت مركزا لطباعة كثيفة ويعود ذلك الى حجمها وتقاليدها. ومازال لبنان بلد الطباعة الرفيعة المستوى الان. الطباعة تنتشر بدورها وتترسخ بمستويات متفاوتة في العديد من البلدان العربية. وهناك متغيرات تتمثل بمعارض الكتاب التي تقام دوريا في اكثر من عشر عواصم عربية، وهذا يعني ان الكتاب العربي يجول من بلد الى اخر ومن عاصمة الى اخرى. ومازال معرض الرياض يسجل اعلى المبيعات. وكذلك الجوائز الأدبية تظهر لنا ان كتابة الرواية والانواع الكتابية الاخرى يحصدها كتاب من كافة البلدان العربية. ويعتبر "زيادة" أن كل هذه الايجابيات التي تفيد بأن الكتابة والطباعة لم تعد مقتصرة على بلد دون اخر وان القراءة أيضا كذلك، وصار قراء العربية المتابعين على دراية بما ينتج في سائر بلدان العالم العربي، لا تحجب كوّن معدلات انتاج الكتاب العربي ما زالت دون مستوى اغلب بلدان ولغات العالم. وذلك يعود لأسباب عديدة أهمها على الإطلاق تراجع مستوى التعليم وخصوصا في مراحل التعليم الاولى، كما في كل المستويات وصولا الى مرحلة التعليم الجامعي. فالقراءة ليست أمرا بديهيا وإنما تكتسب في البيت وفِي المدرسة، وبالتعود منذ المراحل العمرية الاولى. والامر الاخر يتعلق بإنتاج الكتاب؛ من الكتابة والتأليف الى النشر والطباعة وصولا الى التوزيع، كل هذه الأمور ينبغي ان تنتقل من الطابع الحرفي الى مستوى الصناعة، فالكتاب في نهاية الامر هو سلعة تخضع لاحكام السوق، وكما نروج لكافة السلع لا بد من الترويج للكتاب تبعا لأساليب الترويج الحديثة. ولكي يصبح الكتاب حاجة يومية مثل الرغيف ينبغي تأمين الرغيف والتعليم اولا. د. هند المطيري (السعودية) المطيري: الناشر يخون الثقافة لأجل الربح د. نانسي إبراهيم (مصر) نانسي: الكتاب ليس ضمن أولوياتنا د. خالد زيادة (لبنان) زيادة: معرض الرياض الأكثر مبيعاً د. أمير تاج السر (السودان) السر: لا يمكن لجائع أن يقرأ الشاعرة ابتسام أبو سعدة (فلسطين) أبو سعدة: الإرهاب تجهيل للشعوب د. محمد حقي صوتشين (تركيا) صوتشين: النشر متراجع في تركيا